للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ما يفعله من يعرف حقيقة العبودية عند المصائب]

وهنا مسألة جليلة أيها الأحبة: فإن من واجب العبد المتعلق بربه، العارف بحقيقة وحق العبودية أن يسأل الله قبل أن يسأل غيره، فإذا نزل بك مرض من الأمراض وأنت تعرف أن المستشفى بجوارك، فاسأل الله جل وعلا قبل أن تلتفت إلى سبب الطبيب الذي قد ينفع وقد لا ينفع، وقد يوفق إلى الدواء الذي يصيب الداء وقد لا يوفق، وإذا نزلت بك كربة مالية وأنت تعلم أن جارك فلان غني ثري قريب حبيب إليك، لا يتردد في بذل ماله، فقبل أن تسأله اسأل الله جل وعلا، حتى ولو كان الذي بجوارك قادراً على أن يقرضك من ماله، أو يهبك من متاعه، أو ينفعك بجاهه، ولكن تعلق بالله قبل أن تتعلق بخلق الله.

من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب

أيها الأحبة: إننا نرى كثيراً من أحبابنا وإخواننا إذا نزلت الحاجة بأحدهم أو حلت بأحدهم الواقعة وهو يعلم أن من عباد الله من يقدر على معونته فيها، تجده أول ما يفزع إلى دليل أرقام هاتفه، أو إلى أرشيف معلوماته وصداقاته وعلاقاته، ثم يقلب الأوراق ورقة ورقة، هذا ينفع وهذا لا ينفع، وهذا ينفع قليلاً، وهذا ندعه للمهمات الملمات، ونسي المسكين قبل أن يتناول الدواء، وقبل أن يلتفت للصديق، وقبل أن يتحول إلى الرفيق؛ نسي أن يسأل الله جل وعلا.

فالواجب علينا تحقيقاً للعبودية أيها الأحبة أن نبدأ بسؤال الله، وأن نحتاج إلى الله قبل الحاجة إلى غيره:

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يُسأل يغضب

ثم إن الله جل وعلا يحب من تضرع إليه، ويحب السائلين بين يديه، أما العباد فإن أعطوا مرة يسأمون الأخرى، ثم يطردون الثالثة.

سألنا فأعطيتم وعدنا وعدتم ومن أكثر التسآل يوماً سيحرم

وإذا رضيت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرد المفضال

اسأل الله قبل أن تسأل عباد الله، واسأل الله قبل أن تسأل خلق الله، وتضرع إلى الله، وتملق إلى الله، وقف واسجد واخشع وتضرع ومرغ أنفك وجبهتك على التراب بين يدي الله قبل أن تقدم على واحد من البشر، خاضع الطرف، مطرق الرأس، تمشي على استحياء خجلاً من عرض حاجتك أمام هذا المخلوق الضعيف، لكن أمامك ساحة العزة وفرصة الكرامة، أن تخضع وأن تسجد لله، وما يدريك لعل الله أن يقضي حاجتك قبل أن تذهب أو تحتاج إلى فلان.

أيها الأحبة في الله: يقول النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، جفت الأقلام وطويت الصحف) هذا فيما يتعلق بهذه المقدمة.