للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف أبي بكر على نفسه من المعاصي]

كان أبو بكر الصديق يبكي وهو يرى عصفوراً يطير من غصن إلى غصن، ويقول: [هنيئاً لك يا طير! تطير من غصن إلى فنن، ثم تموت لا حساب ولا عذاب] وهو أبو بكر الذي قال الله فيه: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:٤٠] ذكره الله في القرآن، وهو أبو بكر الذي قال الله فيه: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى} [الليل:١٧] سيجنب النار، مبشراً بالجنة، ومع ذلك يبكي ويخشى ويخاف ويرجو رحمة ربه ويخشى عذابه، {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} [الليل:١٧ - ٢١] أي بشارة ل أبي بكر أن يقول الله له: (ولسوف ترضى يا أبا بكر) إذا أرضاك الله فمن يسخطك؟! إذا أغناك الله فمن يفقرك؟! إذا أمنك الله فمن يخوفك؟! (ويقول أبو بكر لما سمع قول الله جل وعلا: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠] فيقول أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله! ما أسعد من يقال له هذا؟ فيلتفت الحبيب إلى رفيقه الصديق، ويقول: يا أبا بكر! إنك ممن يقال لهم هذا) يا أبا بكر! إنك ممن يقال لهم: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر:٢٧ - ٣٠].

وليس الأمر كما نراه الآن في كثير من الصحف والجرائد والمجلات إذا مات ميت، وقد يكون من الفساق، وقد يكون من الفجار، وقد يكون من مستوري الحال، وقد يكون من الصالحين، وقد يكون من الذين لا يشهدون الصلاة، ثم يكتب تحت نعيه: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً} [الفجر:٢٧ - ٢٨] وما أدراكم أنها اطمأنت؟ وما أدراكم أنها رجعت إلى ربها راضية مرضية؟ فهذا من الجهل، وهذا من الضلال، وهذا من الخطأ الذي يقع فيه كثير من الناس.