للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خروج زيد بن علي على هشام]

وإليكم نموذجاً آخر، خرج زيد بن علي بن الحسين على هشام بن عبد الملك، وكان زيد قد وفد على متولي العراق يوسف بن عمر فأحسن يوسف جائزته ثم أراد زيد الرجوع إلى المدينة، فأتاه قومٌ من الكوفة، فقالوا: ارجع يا زيد نبايعك، وزينوا له البقاء معهم وأنهم سيبايعونه على قتال بني أمية، وأن مائة ألف سيفٍ مصلتٍ مشهرٍ معه، ثم استقر زيد في الكوفة وصدق ما قيل له رحمه الله، وبدأ التنقل من منزل إلى منزل وأهلها يسجلون أسمائهم ويبايعون، وكانت الأرقام بالآلاف، وكاتب المدن المجاورة والأقاليم قد استجابوا له ووعدوا أنهم سيتبعونه ويعينونه إذا خرج وحدد لهم موعد الخروج، في تلك الأثناء علم أمير العراق يوسف بن عمر بما يفعل زيد فأخذ يستعد لمجابهته، وعلم زيد أن أمير العراق قد اطلع على ما يجري في الخفاء، وخشي أن يمسك أو تفشل الحركة فأعلنها قبل أوانها ويفاجئ أهل الكوفة بشعارات زيد بدأت تدوي، واجتمع إليه بعض الناس، وبدأ بهم المعركة ولكنهم فئة قليلة وهو ينتظر الجموع، أين الجموع التي سجلت أسمائها؟ وأين الجموع التي وعدت أن عندها مائة ألف سيف مصلتٍ مشهر؟ أين الجموع التي ظن أنها شحمٌ فإذا هي ورم فقال زيد: سبحان الله! أين الناس؟ فقاتل زيد والقلة الذين معه قتال الأبطال فهزموا أهل الشام عدة مرات، ولكن رماة السهام تكاثروا عليه فقتل رحمه الله، ثم صلب وعلق على الخشبة، وانتهت هذه الحركة بأقصر وقتٍ ممكن.

يقول الحافظ الذهبي رحمه الله معلقاً على خروج زيد، خرج متأولاً وقتل شهيداً ويا ليته لم يخرج.

ما هي نتائج تلك الحركات التي خرجت متأولة إنكار المنكر؟ ورفع الظلم، متأولة قصد الله ورسوله والدار الآخرة؟ كان نتائج ذلك أن حصل بين المسلمين فُرقة عظيمة وفتنٌ أليمة، وقتلٌ بين المسلمين، وإراقة وسفكٌ للدماء، ورءوسٌ قطعت، وأعراضٌ هتكت، وحقوقٌ ضاعت، وأناسٌ تشردت، وسبلٌ اختلت، ومصالح انقطعت، فلا حول ولا قوة إلا بالله، ولو لم يكن إلا أن أعداء الإسلام من الروم والنصارى، كانوا يرون تلك الفرص التي افتتن بها المسلمون فرصاً ذهبية، لجمع الجموع وإعداد العدد لضرب دولة الإسلام لكفى بذلك فساداً.