للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أقوال العلماء في الخروج على ذوي السلطان]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في منهاج السنة النبوية: وقل من خرج على إمامٍ ذي سلطان إلا كان ما تولد عن فعله من الشر أعظم مما تولد من الخير، وقال ابن حجر الحافظ المعروف في ترجمة الحسن بن صالح في الرد على التهم التي وجهت إليه قال: قولهم كان يرى السيف، أي كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، ثم قال: لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوا الخروج قد أفضى إلى ما هو أشد منه، ذكره في تهذيب التهذيب.

وقال ابن القيم الجوزية رحمه الله: إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكار المنكر من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله، فإنه لا يسوغ إنكاره وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار بالخروج على الولاة، فإنه أساس كل شرٍ وفتنة إلى آخر الدهر، ويقول ابن القيم: وقد استأذن الصحابة رضوان الله عليهم في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها، وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا، ما أقاموا الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى من أميره ما يكرهه فليصبر ولا ينزعن يداً من طاعة) ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار من إضاعة وعدم الصبر على منكر، فطلب إزالته فتولد منه ما هو أكبر منه.

ويقول العلامة المعلمي اليماني رحمه الله: وقد جرب المسلمون الخروج فلم يروا منه إلا الشر، خرج الناس على عثمان يرون أنهم إنما يريدون الحق فكان عاقبة الأمر أن قتل ثم خرج أهل الجمل يرى رءسائهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحق، فقتل علي وحصلت الفتنة، ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه، نعم، علي بن الحسين خدعه أهل العراق، الذين تعجب من أنهم يبكون عليه ويقيمون المناحة والصياح عليه، هم الذين وعدوه واستخرجوه فلما خرج خذلوه، فكان أن وقع فيما ليس بحسبانه.

قال المعلمي اليماني: ثم اضطر الحسين بن علي إلى ما اضطر إليه فكانت تلك المأساة، ثم خرج أهل المدينة على يزيد بن معاوية فكانت وقعة الحرة، ثم خرج القراء على الحجاج مع ابن الأشعث فماذا كان، كان ما تعلمون، ثم كانت قضية زيد بن علي، وعرض عليه من عرض أن ينصروه شريطة أن يتبرأ من أبي بكر وعمر فخذلوه قتلهم الله فكان ما كان.

أيها الأحبة في الله! إن هذا الكلام لا يعني سكوتاً على منكر ولا تركاً للدعوة إلى الله، إن هذا الكلام يصب في قالبه وفي مواقعه وفي مواضعه وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فما لنا عذرٌ في تركه، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) وفي رواية (وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) إن بعض الناس يفهمون فهماً سقيماً من هذا الكلام، ويقولون ما دام الأمر هكذا وهذه مخاطر الخروج، ثم يستنتج أن إنكار المنكرات يفضي إلى الخروج وهذا فهمٌ عليلٌ سقيمٌ بهيم، إن إنكار المنكر هو حياة الأمة، إن الحسبة هي قلب الأمة، إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو ضمان بقاء الأمة، فلا نفهمن هذا من هذا.

والواجب علينا أن نشتغل بالدعوة إلى الله جل وعلا، إني أعجب من رجلٍ أو شابٍ أو صغير أو كبيرٍ أو ذكرٍ أو أنثى يسمع هذا الكلام فإذا سمع بمنكرٍ قال: اسكت! عليك نفسك فالزم ولا تحدث فتنة! وإنما يعني هذا الكلام أن نجتهد في طاعة ونصيحة، واجتهادٍ على حفظ شوكة أمة ووحدة صفٍ واجتماعِ شملٍ؛ مع إنكار منكرٍ وأمرٍ بمعروف ودعوة إلى الله جل وعلا، قد يرى البعض أن هذا يعني أن تشتغل بمدرستك أو بيتك وعملك ولا عليك من واقعك، لا.

إنما سمعته يدعوك أن تهتم بواقعك، فتدعو إلى الله بكل وسيلة من شريطٍ نافع، أو كتابٍ أو رسالة نافعة، أو موعظة حسنة، أو جدالٍ بالتي هي أحسن، بكل وسيلة مشروعة من وسائل الدعوة إلى الله.

إن هذا الكلام -أكرر وأحذر- لا يعني ترك الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر، ولكن الأمر والنهي بحسب من يوجه إليهم، فإن كان لفردٍ فخذه على انفراد، وإن كان لمجموعة فخذهم بخير طريقة، وإن كان لأميرٍ أو والٍ فاقصده في بيته، فاقصده في مكتبه، فاقصده في مكانه، وكن صريحاً جريئاً قوياً ولا يضرك لو خرجت قتيلاً (سيد الشهداء حمزة ورجلٌ قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله).

أسأل الله أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يدمر أعداء الدين، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه من كل ذنبٍ، إنه هو الغفور الرحيم.