للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المتفيقهون وضررهم على المجتمع]

الحمد لله، نحمد ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ربي عليه توكلت وإليه أنيب، ما من دابةٍ إلا هو آخذ بناصيتها، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده هو الذي خلق هذا الكون، وخلق العباد عليه، وجعل الحكمة من خلق العباد عبادته {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] أشهد أن لا إله إلا الله ربي ما خلق شيئاً عبثاً، ولا يترك شيئاً سدى، فالأمر والخلق والقدر والتدبير بيده وحده سبحانه فلا يقدر أو يدبر أو يأمر أو ينهى أو يشرع إلا لحكمة فيها تمام العدل، ومعها تمام الرحمة.

أشهد أن لا إله إلا الله ما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطوياتٌ بيمينه، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده رفع السماوات بغير عمدٍ ترونها، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده هو الرازق للخلائق أجمعين، لو أراد الخلائق واجتمعوا وكان بعضهم لبعضٍ ظهيراً، أن يطعموا أهل الكون ساعةً لافتقروا وعجزوا عن ذلك {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٨].

أشهد أن لا إله إلا الله ربٌ عظيم، عظيمٌ في علمه وفي رحمته وفي حكمته، وعظيمٌ في حلمه على عباده، العباد يعصونه بنعمه التي خلقها لهم، ويمهلهم لعلهم أن يئوبوا أو يتوبوا يوماً ما، أشهد أن لا إله إلا الله ربي وحده كل شيءٍ هالكٌ إلى وجهه، وأشهد أن محمداً رسول الله بعثه الله رحمةً للعالمين، أرسله الله للجن والإنس بشيراً ونذيراً، نبيٌ وما وطئ الثرى خيرٌ من قدمه صلى الله عليه وسلم.

أشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اعرفوا عظمة الله وقدره واتقوا الله: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

معاشر المؤمنين: إن الله جل وعلا خلق العباد لعبادته، وقدر المقادير بحكمته، وأجرى الأمور بعدله ورحمته، وجعل للعباد منهجاً وطريقاً وصراطا ًمستقيماً يرجعون إليه عند النزاع والخلاف {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:٦٥].

{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:٣٦].

{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [النور:٥١].

{فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩].

{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣].

عباد الله: أليس في هذه الآيات الواردة في مواضع شتى من كتاب الله غنية لمن أراد أن يستغني بكتاب الله عن زبالة أذهان البشر؟ أليس في كلام الله كفاية لمن أراد أن يكتفي بكلام الله وهدي رسول الله عن أنظمة البشر؟ ولكن يا معاشر المؤمنين: حينما تتكلم الرويبضة ويظهر الأوغاد والسفل، حينما يتكلم من لا خلاق له ومن لم يعرف بالتقى أو المحافظة على الجماعات، أو من عرف بتاريخ أسود وسابقة الخزي وماضي الرذيلة، أو من لا حظ له من التقى والمكانة والإحسان والإيمان في دين الإسلام، حينما يتكلم في هذا الدين من ليس من علمائه وفقهائه، حينما يتكلم في هذه الشريعة من عرفوا يوماً ما بالتطبيل والتزمير للقوانين الوضعية والأنظمة البشرية، حينما يتكلم أولئك:

فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ ويا نفس جدي إن دهرك هازل

ما كنت أوثر أن يمتد بي زمني حتى أرى وقفة الأوغاد والسفل

هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا من قبله فتمنى فسحة الأمل

أهبت بالحظ لو ناديت مستمعاً والحظ عني بالجهال في شغل

لعله إن بدا فضلي ونقصهم لعينه نام عنهم أو تنبه لي

فإن علاني من دوني فلا عجب لي أسوة بانحطاط الشمس عن زحل

فيا خبيراً على الأسرار مطلعاً اصمت ففي الصمت منجاةٌ من الزلل

قد رشحوك لأمرٍ لو فطنت له فأربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

عباد الله: في التلميح ما يغني عن التصريح:

تكفي اللبيب إشارة مرموزةٌ وسواه يدعى بالنداء العالي