للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خوف التابعين من ربهم]

أما التابعون لهم بإحسان والسلف الصالح فلهم من خشية الله وخوف عقابه ما تهتز لذكره القلوب والأفئدة، كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إذا ذكر الموت انتفض انتفاض الطير، ويبكي حتى تجري دموعه على لحيته، وبكى ليلة فأبكى أهل الدار معه، فلما تجلت العبرة عنه قالت زوجه فاطمة: [بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين! مم بكيت؟ فقال عمر: ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير، ثم صرخ وغشي عليه].

والحسن البصري رضي الله عنه بكى بكاءً شديداً وسألوه فتلى عليهم قول الله جل وعلا: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} [الجاثية:٣٣] وتلى أيضاً: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [الزمر:٤٧].

فهذا خوف الملائكة وذلك خوف الأنبياء، وذاك خوف الصحابة والتابعين، ومنهم المعصوم، ومنهم من شهد له بالجنة فنحن أجدر وأولى بالقول منهم، فاخشوا الله حق خشيته، وتذكروا سطوته وأليم عقابه، واصحبوا -يا عباد الله- من يخوفونكم حتى تأمنوا، ولا تصحبوا من يؤمنونكم حتى تخافوا.

معاشر المؤمنين: إن منزلة الخوف من الله جل وعلا قد تقهقرت في النفوس، وتراجعت في الأفئدة إلى حد عجيب جداً، ترى كثيراً من الناس يدفنون موتاهم بأيديهم ثم يخرجون من أبواب المقابر ضاحكين! وترى كثيراً من الناس يرون ما حل بالخلائق حولهم وتراهم في أكلهم وشربهم لاهين غافلين أفأمنوا مكر الله؟ أفأمنوا عقوبة الله؟ أفأمنوا سخط الله؟ إن أمة من الأمم التي سلفت قد عذبت بذنب واحد من الذنوب، فكيف بهذه الأمة التي فيها أناس قد استجمعوا ذنوباً عظيمة، استجمعوا أكل الربا والسكوت على المنكرات، وبيع آلات اللهو والطرب، والتجارة بإفساد العقول والأفئدة، والتهاون بخروج المحارم، والسكوت عن كلمة الحق، وأمور كثيرة نسأل الله جل وعلا ألا يعذبنا بذنوبنا، وألا يؤاخذنا بما فعل السفهاء منا.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.