للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سبب الحديث عن فتنة الدجال]

الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع أفلا تتذكرون، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد، وهو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وتفضل علينا بسائر النعم، ودفع عنا الكثير من النقم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، ولم يعلم طريق خيرٍ إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شرٍ إلا حذرها منه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى عملاً بقوله جل وعلا: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء:١].

عباد الله: اعلموا أن المصطفى صلى الله عليه وسلم أخبر عن أماراتٍ وعلاماتٍ تظهر في أمته في آخر الزمان، وبيَّن أنها بابٌ من أبواب الفتن التي حذَّر منها، ونهى عن الوقوع والولوغ فيها، وأخبرنا بها لنأخذ الحيطة والحذر، ولكن أكثر الناس عن التذكرة معرضون، وفي جهلهم وغفلاتهم يعمهون.

عباد الله: إن مما يدل على جهل الكثيرٍ من الناس وغفلتهم في هذا الزمان، أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من الكثير من الفتن، ومع ذلك ترى الكثير من العباد واقعين فيها، وإن من الفتن التي جاءت فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم فتنة المسيح الدجال، نسأل الله أن يقبض أرواحنا إليه على الشهادة والسعادة قبل تلك الفتنة، أو أن يثبتنا على دينه إن مرت بنا.

وفتنة المسيح الدجال يا عباد الله! من أعظم الفتن التي سيمتحن بها المسلمون والمؤمنون، وقبل أن نخوض في الحديث عنها أحب أن أقف وقفة لسائلٍ أو قائلٍ أو متعجبٍ بقوله: ما الداعي لهذا الكلام حول الدجال وأمره من الفتن التي لم تقع بعد؟ والجواب على هذا يا عباد الله! واضحٌ فيما يدركه كل واحدٍ منكم في انتشار الفتن التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وحذَّر منها، ومع ذلك فالكثير منا فيها واقعٌ إلا من رحم ربك وقليلٌ ما هم، لقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من فتنة الدنيا وزهرتها، والتهافت عليها، وبيَّن فناءها وزوالها، ومع ذلك تكالب الكثير عليها يجرون لاهثين، وحذَّر صلى الله عليه وسلم من فشو آلات اللهو والطرب والغناء، ومع ذلك لا تجد إلا القليل النادر ممن يسلم منها، وحذَّر من تفشي الجهل وانقراض العلم، ومع ذلك نرى الإغراق في الضلالات والبدع والجهالات، ونرى البعد عن العلم والعلماء ومجالستهم، نرى النبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الربا وبيَّن أنه ممحقٌ للبركة، ولعنةٌ على آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، ومع ذلك ترى الكثير من الناس وقعوا فيه صراحةً أو حيلة يحتالون عليه، فالحاصل أن وقوع الفتن وتفشيها بين الناس من دون علمٍ بها أو استعدادٍ للبعد عنها مظنةٌ للوقوع فيها، والاصطلاء بنارها، فيكونون كما قال القائل:

آتاني هواه قبل أن أعرف الهوى فصادف قلباً خالياً فتمكنا

فإذا كان صلى الله عليه وسلم بيَّن هذه الفتن، وحذَّر منها، ومع ذلك اغتر الناس ببريقها وزخرفها وركضوا وراءها، فلا غرابة أن يتبع غوغاء الناس وجهالتهم المسيح الدجال بفتنته، ولا غرابة أن يصدقوه لما يرون معه من الفتن والمعجزات التي امتحن الله عباده المؤمنين بها.