للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية العصمة من الدجال]

الحمد لله الواحد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه واقتفى أثره واستن بسنته إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، بشريعة الإسلام، واستمسكوا وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وأن كل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

عباد الله: لقد بين نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم بطلان دعوى الدجال، وصفاته وما معه من الفتن لتحذر الأمة مكره وفتنته، وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنه لا يستطيع الدخول إلى مكة والمدينة، بل تحول الملائكة دونه في دخولها ويمنعونه.

وعلَّم النبي صلى الله عليه وسلم الأمة ما يعصمهم من فتنة الدجال، ومن ذلك الاستعاذة من فتنته، فقد ثبت في الأحاديث الصحاح من غير وجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من فتنة الدجال في الصلاة، وأنه أمر أمته بذلك أيضاً، فكل واحدٍ يقول في صلاته: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر وفتنة المحيا والممات وفتنة المسيح الدجال.

وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبي: الاستعاذة من الدجال متواترةٌ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومما يعصم من الدجال بإذن الله حفظ آيات من سورة الكهف، روى أبو داود بسنده إلى أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من فتنة الدجال) ومن ذلك الابتعاد منه، كما جاء في الحديث السابق، حديث عمران بن حصين: (من سمع بالدجال فلينأ عنه، فوالله إن المؤمن ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن، فيتبعه لما يبعث به من الشبهات).

ومما يعصم به من فتنة الدجال سكنى مكة والمدينة فقد شرفهما الله تعالى وأدام حفظهما وصونهما كرامةً وطهراً ومثابةً وأمناً للمسلمين، ورفعةً وسيادةً لولاة أمورنا يا أرحم الراحمين! فهل علمنا معاشر المسلمين كل ما يعصم من الدجال؟ وهل علَّمنا أبناءنا وبناتنا ليعتصموا بذلك من فتنته لو خرج في زمنهم أو زمننا، وأن الأحاديث الواردة في شأنه كثيرةٌ وواضحةٌ في صفاته وسيرته، وقد بسطها الحافظ ابن كثير في كتابه النهاية، أو المسمى بـ الفتن والملاحم.

ولكن الذي يؤسف له معاشر الأحبة! أن نشهد من أنفسنا وآبائنا وأبنائنا غفلةً عميقة عن الدجال وفتنته وما قبله وما بعده من الفتن، وكأن الواحد منا قد أعطي الأمان بأن الموت لا يأتي في عمر الشباب، أو أن الدجال لا يظهر في زمنه، أو غير ذلك من الفتن، فمنذ ثلاثة أعوام أو أكثر إلى زمننا هذا مرت في بلاد المسلمين فتنٌ عظيمة عمت البلوى بها في بلدنا وفي غيرها من البلدان ولا داعي لذكرها، فالكل يعرف، ومع ذلك ما ازداد بعض العالمين إلا بُعداً وجهلاً وضلالاً، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين الهداية والتثبيت.

ولو نظر الواحد منا لوجد الكثير تلهج ألسنتهم في الدعاء في كل صلاة، نعوذ بك من عذاب جهنم ومن فتنة القبر ومن فتنة الممات ومن فتنة المسيح الدجال، ولكن كثيراً من الناس أصبح تعوذهم تعوذ عادةٍ لا عبادة، تعودنا أن نتعوذ من فتنته، ولكن لا يخطر ببال الواحد منا تلك الفتن والشبهات والمعجزات التي تظهر بظهوره، وإذا كان بعض المسلمين قد افتتن بزخارف الدنيا وبهرج الحضارة، وانغمس في مهاوى المادة، وكل ذلك أقل وأكثر قلةً من فتنة المسيح الدجال، فكيف الحال إذا خرج ومعه صورة الجنة والنار، ومعه معجزات القطر والجدب، ومعه كنوز الذهب والفضة، فإذا خرجت كنوز الأرض وذهبها وفضتها أترون ذلك الغافل الذي يجري لاهثاً وراء المادة، أترون ذلك الذي يجري وراء الشهوة والثروة والمنصب، أترونه يعصم نفسه من تلك الفتن المظلة؟ والمتأمل في بعض حال المسلمين يجدهم يجرون وراء المشعوذين والمتطببين، اغتراراً بما لديهم، فكيف لو خرج الدجال على هؤلاء؟! اللهم إنا نعوذ بك من فتنة القبر، ومن عذاب جهنم، وفتنة المسيح الدجال.

معاشر المسلمين: إن هذا لأمرٌ عظيمٌ وخطيرٌ جداً، وإن كثيراً من الناس لفي غفلة عنه، بل والله ولا أبالغ إن قلت: إن بعض الناس لأول مرةٍ يسمع بتفاصيل أمره، وما ذاك إلا بعد وجهل عن العلم ومجالسة أهله، فينبغي لكل مسلمٍ أن يلم بأمور دينه، وأن يتحقق في أمر عقيدته، وما هو عليه من الدين، وأن يحصن نفسه وإسلامه بكل ما يفضي إليه من سبيل؛ لأن الفتن إذا خرجت عمت وعم بلاؤها البعيد والقريب، فنسأل الله جل وعلا أن يعصمنا من ذلك.

اللهم توفنا إليك من غير فتنة ولا خزايا ولا مفتونين، اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً، اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم بطانةً صالحة، اللهم جنبهم بطانة السوء، اللهم ما علمت في مسلمٍ خيراً لهم فقربه منهم، وما علمت في نفسٍ منفوسةٍ شراً لهم فأبعدها منهم، برحمتك يا أرحم الراحمين! اللهم لا تفرح علينا عدواً، ولا تشمت بنا حاسداً، اللهم قنا واكفنا شر الفتن والزلازل والمحن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ودمر أعداء الدين، وأبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد ولاة أمورنا بفتنة وأراد علماءنا بمكيدة، وأراد شبابنا ونساءنا بضلالٍ وتبرجٍ وسفور اللهم فاجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميراً عليه وأدر عليه دائر السوء برحمتك وقدرتك يا جبار السماوات والأرض! اللهم اختم بالسعادة آجالنا، واقرن بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى الجنة مصيرنا ومآلنا، اللهم اغفر لموتى المسلمين الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وعافهم واعف عنهم، وأكرم نزلهم ووسع مدخلهم، برحمتك يا أرحم الراحمين! {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء: صاحب نبيك على التحقيق أمير المؤمنين أبي بكرٍ الصديق، وارض اللهم عن الإمام الأواب شهيد المحراب عمر بن الخطاب، وارض اللهم عن مجهز جيش العسرة بأنفس الأثمان عثمان بن عفان، وعن فتى الفتيان ليث بني غالب علي بن أبي طالب، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي؛ يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه التي لا تستطيعون حصرها، وعلى نعمه التي لا تقدرون شكرها يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.