للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[القدوة الحسنة]

فأولها بعون الله وتوفيقه: القدوة الحسنة؛ فإن الرجل إذا أراد أن يعمل بعملٍ، أو أراد أن يدعو إلى أمرٍ من الأمور، فعليه أن يطبقه تطبيقاً جيداً، فإن العباد ليرون من فعله، وليرون من تصرفاته، داعيةً إليهم إلى الاقتداء به، ولا عجب في ذلك، فإن النفوس تعجب وتحب من وافق قوله عمله، روي أن الحسن البصري جاءه طائفة من الرقيق الذين لم يعتقوا، فقالوا: يا أبا عبد الله! حبذا لو حدثت الناس يوم الجمعة، أو في أي يومٍ عن العتق وفضله علهم أن يعتقونا، فقال لهم: خيراً، فمكث ثلاثة أسابيع لم يخطب عن هذا الموضوع، فلما جاء الأسبوع الرابع، خطب الناس في فضل العتق، ثم لما انصرف الناس من المسجد، كان كل من لاقى رقيقاً له، قال: اذهب فأنت حرٌ لوجه الله تعالى، فعجب الرقيق وجاءوا إلى أبي عبد الله - جاءوا إلى الحسن البصري - وقالوا نحمد الله على نعمة الحرية، فلو أنك بادرت بهذا الأمر ولم تتأخر فيه، فقال: جئتموني وليس عندي رقيقٌ أعتقه، فصبرت حتى جمعت مالاً فاشتريت رقيقاً، ثم أعتقته، ثم أمرت الناس بالعتق فعند ذلك فعلوا ما رأيتم.

إذاً -أيها الإخوة- إن أول الأساليب في الدعوة إلى الله أن يكون الواحد منا قدوة ما أمكنه إلى ذلك، أن يكون راية، أن يكون نموذجاً صالحاً مطبقاً لكي يقتدي به من حوله من إخوانه المسلمين، وكلكم يعلم أن الإسلام إنما انتشر في دول شرق آسيا وكثيرٍ من المجاهل الإفريقية وغيرها، إنما انتشرت بالقدوة الصالحة من قبل التجار المسلمين، الذين رآهم أهل تلك البلاد فرأوا فيهم ليناً ولطفاً وأمانة في المعاملة، وصدقاً في الحديث والكلام، فتأثروا بأفعالهم قبل أن يتحدثوا بأقوالهم، فأسلموا، فهدى الله أولئك الأمم بفعل أولئك التجار الصالحين من المسلمين.