للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الزواج من الخارج مشكلة اجتماعية]

الحمد لله الواحد الأحد الفرد الصمد على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، جل عن الشبيه والمثيل والند والنظير، كل ذلك تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى أزواجه، وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

معاشر الأحباب: سمعتم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تخيروا لنطفكم فإن العرق دساس) توجيه صريح لأولئك الذين يتزوجون من أي مكان ومن أي منبت، ألا وهو توجيه بالأخص لأولئك الذين يتزوجون من الخارج ولا اهتمام لهم ولا تقدير لهم بأن زواجهم بالأجنبيات أو من خارج بلادهم، أنه زواج غير مبني على علم أو تحرٍ للمنبت والبيئة التي نشأت فيها المرأة، فقد تكون تلك المرأة صالحة في بيئة فاسدة، وقد تكون فاسدة في بيئة صالحة، وقد تكون البيئة فاسدة والمرأة فاسدة، أولئك الذين لا هم لهم سوى البحث عن الجمال والفتيات الصغيرات أياً كانت النتائج والعواقب.

معاشر الأحباب: إن انفتاح باب الزواج من الخارج، يعني أنه بقدر العدد الذي تزوجنا به من خارج بلادنا، نترك نفس العدد عانسات أو مطلقات أو أيامى لا أزواج لهن في بلادنا، ومعنى ذلك أننا نشارك في مشكلة اجتماعية يوم أن نتهاون بالزواج من البلاد ونفتح هذا الباب؛ ولأجل ذلك -يا عباد الله- ينبغي أن نلتفت لهذا الأمر أشد الالتفات، وينبغي أن نحتسب الأمر ولو قليلاً في الزواج من داخل بلادنا؛ حصانة وصيانة لمجتمعنا، وإن من الملاحظ في غالب الأمر أن عدداً كبيراً من الزوجات اللائي هن من الخارج لا تُقدم الواحدة على الزواج من رجل آخر أو رجل بعيد عن بيئتها، وبعيد عن طبيعتها وموطنها وبلدها وأسرتها إلا لأجل إغراء معين، ألا هو إغراء المادة، ذلك الأغراء الذي يجعلها تتنازل عن بيئتها وعن أقاربها وأسرتها، من أجل أن تنال عرضاً من هذه الدنيا مع زوج يجلبها إلى بلد وأسرة غنية، ولا غرابة بما في ذلك أن نرى كثيراً من الأزواج الذين أتوا بزوجات من الخارج، فجاءوا بهن إلى هنا ورأين الغناء بعد الفقر، والسعادة بعد الشقاء وملكن مالاً وحُلياً ومتاعاً كثيراً.

لا غرابة أن نرى كثيراً منهم يشكو سوء معاملتها، وتنكيدها لهذه العِشرة التي عاش بها معها، ولا غرابة في ذلك؛ لأنها جاءت من بلاد فقيرة إلى أسرة غنية فحصلت على مأربها ومقصودها، وستعود إلى بلادها ثانية، إنها يوم أن قبلت بذلك زوجاً لها، لم تجعل في ذهنها أنها ستتزوجه وتبقى معه إلى أن يختم الله للجميع، لا.

وإنما الكثير منهن قد تزوجته إلى أن يتحسن ظروفها المادية، وتجمع منه حُلياً وذهباً، أياً كانت النتائج، وما دام ذلك الزوج لم يفكر في النتائج فمن باب أولى أن نرى المرأة غافلة بعيدة كل البعد عن هذه النتائج، سواء بالنسبة لها أو لأولادها، وإن كثيراً من المشاكل التي نراها اليوم هي بسبب الزواج من الخارج، ولعل من أخطرها أن ترى رجلاً في وسط عمره أو في آخر عمره أو في أي مرحلة من مراحل عمره، يتزوج بفتاة أجنبية أو من الخارج، فيأتي بها تُنجب منه ولداً أو ولدين.

وبعد ذلك قد يكتب الله له الوفاة والفراق من هذه الدنيا، فيبقى أبوه وإخوانه وأقاربه في مشكلة عظيمة مع زوجته التي أنجبت منه، أيجعلونها تعيش في هذه البلاد، ومع من تعيش وزوجها قد مات؟ أيجعلونها تسافر بأولادهم إلى بلادها وهذه مصيبة أكبر من التي قبلها:

فإن كنت تدري فتلك مصيبة وإن كنت لا تدري فالمصيبة أعظم

والكثير منهن يسافرن بأولادهن بعد وفاة زوجها أو بعد أن يطلقها إن كان عابثاً لا يُقدر أمر النشء والذرية منها، وبعد ذلك تنتقل المرأة إلى بلدها بأولادها وبناتها، ما هو مصير الأولاد؟ في أي بيئة سيتربى هذا النشء؟ في أي مكان ستنشأ هذه الفتاة؟ وفي أي عقيدة يترعرع هذا الولد؟! إنها لمن أعظم المصائب ومن أهمها.

أيها الأحبة: إن أولئك الذين يتزوجون بغير حساب أو تقدير للعواقب، لا يفكرون في هذه الأمور، وما واقع أحدهم يوم أن تترعرع ابنته في بيئة وسخة قذرة، فيجد ابنته راقصة ماجنة أو خادمة في فندق أو مطعم أو في أي مكان من الأماكن، أليس هو الذي جنى هذا بالزواج من الأجنبية؟ أليس هو الذي جنى على نفسه وعلى هذه المسكينة بالزواج هذا؟ وما ذنب شاب صغير ينشأ -بسبب هذا الأب الذي أهمل ووقع في مشكلة سوء الاختيار- جاهلاً أمياً بعيداً عن العلم والتعلم، ينشأ في عقيدة فاسدة، وقد يكون في مكانٍ بعيدٍ عن المدن وغيرها، فيعيش حول القبور ويرى الذين ينذرون لها ويتقربون لها، ويعتقدون في الأموات ويذبحون وينذرون لهم، فينشأ وهو على هذه العقيدة الفاسدة والسبب الأول في ذلك هو ذلك الأب الذي تزوج بدون حساب أو تقدير لعواقب زواجه.