للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة أصحاب الغار]

إن التوسل إلى الله يكون بالأعمال الصالحة، وبأسمائه وصفاته، وكثير من البشر يتوسلون إلى الله بالسفر إلى الخارج، ويتوسلون إلى الله بالسهر في الليل، ويتوسلون إلى الله باستعمال نعم الله من بصر وسمع في رؤية وسماع ما حرم ونهى، ويتوسلون إلى الله برؤية الأفلام والمسلسلات، ويتوسلون إلى الله بالسكوت على المنكرات، أم يتوسلون إلى الله بترك الصلوات مع الجماعة في المساجد.

إن التوسل يكون إلى الله بالأعمال الصالحة، ويكون بالصدقات وبالصيام وبالصلوات وبتقوى الله جل وعلا، وبمراقبتة جل وعلا، وبترك ما نهى الله عنه، وبفعل ما أمر به، عند ذلك يكون التوسل مشروعاً.

إن الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانحدرت الصخرة من الجبل، فانطبق الغار عليهم بهذه الصخرة، التفت بعضهم إلى بعض يدفعون هذه الصخرة ومع ذلك لم يستطيعوا أن يدفعوها عنهم، هل عندهم اتصالات لا سلكية حتى يقولوا: أرسلوا لنا النجدة فإن الصخرة أطبقت الغار علينا؟ ليس ذلك عندهم، ولم يفكروا في ذلك، بل قال أعقلهم وأنبلهم: (إنه لن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم).

في هذه الكربة وفي هذه المحنة والشدة وفي ظلمة الغار وانطباق بابه وانسداد فوهته، إنه لن ينجيكم إلا أن تتوسلوا إلى الله بصالح أعمالكم، فقال الأول: اللهم إنه كان لي أبوان وكنت لا أغبق قبلهما أحداً، حتى يغتبقان أو يشربان، وإني جئت ذات ليلة والصبية يتضاغون -أي يصيحون من العطش والجوع- فما أردت أن أسقي الصبية قبل والدي، فانتظرت حتى بات الصبية على بكاء وجوع، ولما استيقظ أبواي ولم أشأ أن أوقظهما من نومهما جعلتهما يغتبقان ويشربان فلما شربا ناولت فضلتهما للذرية والولد، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء ما عندك ورغبة فيما عندك ففرج عنا ما نحن فيه، تقرب إلى الله ببره بوالديه، البر بالوالدين من أعظم القربات -يا عباد الله- فما الذي كان؟ انفرجت الصخرة شيئاً قليلاً.

وجاء الآخر وقال: اللهم إنه كان لي ابنة عم وكنت شغوفاً بها شغف الرجال بالنساء، وكنت أراودها عن نفسها فتأبى، وإنها أصابتها سنة -أي قحط وجدب- ثم جاءت إلي شاكية باكية محتاجة، فقلت: لا أعطيك من المال حتى تمكنيني من نفسك، ثم إنها تحت وطأة الحاجة والجوع والألم قبلت ورضيت أن تمكنه، فلما أعطاها المال، ثم جلس منها أو دنى منها مجلس الرجل في الجماع من زوجته، وأراد أن يبدأ بفعله، قالت: اتق الله، ولا تفضن الخاتم إلا بحقه، فانتفض وقام عنها وهو يقول: اتقيت الله، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك وطلباً فيما عندك، اللهم فرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة شيئاً قليلاً أكبر من ذي قبل، إلا أنهم لا يمكنهم الخروج.

ثم جاء الثالث وقال: اللهم إني كنت استأجرت أجيراً فذهب ولم يقبض أجرته، ثم إني نميت ماله فتنامى المال بالشاء والنعم والغنم، ثم جاءني ذات يوم يطلب ماله، فقلت له: أترى هذه النعم التي في الوادي؟ قال: نعم.

قال: هذه أجرتك، فاذهب وخذها، قال: أتهزأ أو تسخر بي؟ قال: لا والله إنما هي أجرتك نميتها لك، وكل هذا من مالك اذهب فاخذ أجرتك، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاءً فيما عندك وابتغاء وجهك، اللهم فرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا أحياء بعد أن عدوا في عداد الأموات.

نعم يا عباد الله! يتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، وترفع الأكف بالضراعة إلى الله بالعمل الصالح.

فيا معاشر المؤمنين إن أول أمر حينما تحل مصيبة بأمة الإسلام أن نضرع إلى الله، وأن نفزع إلى الله، وأن نتقرب إلى الله، الذي خلقنا من العدم فهو قادر على أن ينجينا وينجي أمة الإسلام مما هي فيه.