للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بماذا يدفع البلاء؟]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

اللهم يا من بيده مقاليد السموات والأرض، اللهم يا من الأرض يوم القيامة في قبضته، والسموات مطويات بيمينه، اللهم يا من وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما، اللهم يا من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، اللهم يا من يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، اللهم يا فرج المكروبين، اللهم يا نصير المستضعفين، اللهم يا إله الأولين والآخرين، نسألك اللهم أن تدفع البلاء عن أمة المؤمنين، اللهم إنا نسألك ونحن نثق أن مقاليد الأمر بيدك، وأن نواصي العباد بيدك، وأن قلوب العباد بيدك، وأن الأمر إليك أولاً وآخراً، يا من تعز من تشاء وتذل من تشاء، يا من تخفض وتبسط، يا من ترزق وتمنع، يا ربنا يا خالقنا يا مولانا، يا من خلقتنا من العدم، يا من أوجدتنا من العدم وخلقتنا نطفاً ثم مضغة مخلقة وغير مخلقة، ثم إلى هذا الوجود بأمرك خرجنا، وترعرعنا على ما رزقتنا، اللهم إنا خلق من خلقك وعبيد من عبيدك، نسألك اللهم أن تحمي حوزة الدين، اللهم احم حوزة الدين، اللهم احم الشريعة والكتاب والسنة، اللهم احم حوزة الدين، اللهم إنا نسألك أن تديم هذا الدين على قلوبنا رأفة ونعمة، اللهم اجعلنا جنوداً لدينك وأنصاراً لكلمتك وجنوداً لرايتك، اللهم احفظنا بلا إله إلا الله، اللهم إنك تعلم وفي علمك أن تزول السماوات والأرض أهون عليك من أن يسفك دم مسلم، اللهم لا تعذبنا وأنت بنا راحم، اللهم لا تعذبنا وأنت علينا قادر، اللهم لا تجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله عدد ما مشى بين الأراضين ودرج، والحمد لله أولاً وآخراً، والحمد لله الذي بيده مفاتيح الفرج، ربنا إليك لجأنا ربنا إليك فزعنا، وعند بابك أنخنا، اللهم لا تسلمنا، اللهم احفظنا، اللهم اكلأنا برعايتك واحفظنا بحفظك يا رب العالمين يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نسألك بمنك وجودك وكرمك وفضلك؛ أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وأنت على كل شيء قدير، لا يكون في هذا الكون أمر إلا بعلمك وقدرتك ومشيئتك، نسألك اللهم أن تحفظ أعراض المؤمنين والمؤمنات، اللهم احفظ أعراض المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات.

معاشر المؤمنين! تقربوا إلى الله بالبكاء بين يديه، تقربوا إلى الله باللجوء إليه، تقربوا إلى الله بالصدقات وترك المنكرات، يقول الله جل وعلا: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:٤٣] إن من العباد من لا يزال في غفلته، وإن من الشباب من لا يزال في ضلالته، وإن من الناس من لا يزال في لهوه.

عباد الله! نحن نرى المصائب تحل بالمسلمين تترا وما منا من أخرج اللهو عن بيته، والغناء عن بيته، والفساد عن بيته، يا عباد الله! ألا نخشى أن نكون من الذين قال الله فيهم: {فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ} [يونس:٨٨] أو من الذين قال الله فيهم: {وَمَا تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ} [يونس:١٠١].

لا حول ولا قوة إلا بالله! إن من رأى ما يحل بالمسلمين حوله ولا يزال في غفلته وفي ضلالته، فذلك دليل على موت بصيرته وعلى هلاك قلبه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

معاشر المؤمنين: يقول صلى الله عليه وسلم: (لئن تزول السماء والأرض أهون عند الله من أن يراق أو يسفك دم مسلم) ولكن من هو هذا المسلم؛ أهو الذي يملأ سهره بالعبث ونهاره بترك الصلوات، وتجارته بالربا والمحرمات؟ أم ذلك المسلم الذي يتقرب إلى الله بالطاعات؟ أيها المسلم! قيمتك عند الله غالية: لئن تزول السماء والأرض أهون عند الله من أن يراق دمك، إذاً فارفع يدك إلى الله والجأ إلى الله، واعلموا يا معاشر المؤمنين! أن الصدقة وإطعام الطعام وإفشاء السلام وتصفية القلوب من الضغائن والإحن والحسد والعداوات، من أعظم الأمور التي يدفع بها البلاء، يقول الله جل وعلا في وصف المؤمنين: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً} [الإنسان:٨] ويقول سبحانه في بيان شأن أولئك الذين دخلوا النار قالوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ} [المدثر:٤٢ - ٤٥].

ويقول تعالى: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ} [الماعون:١ - ٣] فأطعموا المساكين وتصدقوا وصوموا وتوبوا، ومن الليل قوموا وتهجدوا، واسألوا الله أن يرفع البلاء عن الأمة، فوالله ثم والله لو اجتمعت قوى الأرض وكان بعضها لبعض ظهيراً ما استطاعت أن ترد من قدر الله أمراً، إلا الدعاء فإنه بفضل من الله وبرحمة ومنة من الله فإن الله بقدره يجعل الدعاء قدراً يدفع هذا القدر النازل بالبلاء، فادعوا الله وتضرعوا واحرصوا على تفريج كربات المسلمين، وإياكم والشماتة بأحوال المسلمين.

معاشر الشباب! معاشر الرجال! معاشر الآباء والإخوان! لا بد لكل مسلم أن يكون له دور ومجهود في هذا الأمر، فينبغي لكل شاب ولكل رجل وليست هذه مسئولية من يعد نفسه ملتزماً أو متديناً وأن من ليس كذلك معفىً عن المسئولية، إننا نبدأ الحليق والمسبل بهذه المسئولية قبل الملتحي والمتدين، أقول للأول: عد إلى الله وأنت من جنود الله ومن أنصار دين الله، بادر بخدمة المسلمين وتفقد أحوالهم، وعليك بالصدقة والدعاء فإن الله جل وعلا يجعل لهذا أثراً، ولا يكون الكفار أفضل منكم يا عباد الله، الله جل وعلا يقول: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} [الأنفال:٧٣].

يوم أن بدأ سور برلين يهدم ثم بدأ الناس يتسللون منه وقف الألمان الغربيون على أبواب الطرقات وأفواه السكك يقفون بالملابس والأطعمة والأشربة والأموال يعطونها الذين يهاجرون من ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية، فأنتم يا معاشر المؤمنين! تفعلون ذلك لوجه الله، ابذلوه لإخوانكم، وقفوا مع المسلمين في مصائبهم وفي نكباتهم، واعلموا أن لهذه البلاد -أسأل الله ألا يكلها إلى نفسها وألا يكلها إلى جهودها وألا يكلها إلى ما عندها- لهذه المملكة ولله الحمد والمنة، دور طيب في إطعام الطعام وأعمال الإغاثة، نسأل الله جل وعلا أن يجعلها سبباً لدفع البلاء عن المسلمين.

يا شباب الأمة! يا رجال الأمة! إياكم والترف فإنه مصيبة وهو سبب البلاء الهوان، يقول الله جل وعلا: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:١٦] إياكم والترف والإسراف في الولائم وفي المناسبات، فإن من أسرف وجاوز حده في الطغيان في أي أمر من الأمور كان حرياً بالعقوبة والعقوبات إذا نزلت تعم، نسأل الله أن يدفع البلاء عن المسلمين.

ما رأيكم -يا عباد الله- لو أن المسلمين اقتصدوا في مناسباتهم وأفراحهم وولائمهم وجميع أعمالهم، وما زاد من ذلك يدفع صدقة لله، ولوجه الله جل وعلا، فإننا والله ندفع عن أنفسنا بلاءً عظيماً.

ثم اعلموا يا عباد الله! أن ليس لكم إلا الله، وليس لكم مفر ولا منجى ولا ملجأ إلا إلى الله وحده، فثقوا بالله ثقة حقيقة، ولا تعلقوا آمالكم بشرق أو غرب، بل علقوا ثقتكم بالله، واسألوا الله جل وعلا أن يسخر لكم من هو فوقكم ومن هو دونكم، نسأل الله أن يسخر لنا من هم أقوى منا ومن هم دوننا، وليس هناك أحد أقوى منا إذا كنا آمنا بالله حق الإيمان واليقين.

فيا معاشر المؤمنين! عليكم بالثقة بالله والتوكل على الله، والفزع إلى الله، إن من الشباب هداهم الله من يتتبعون أموراً حينما يحدث في الكون ما يحدث يسألون: ماذا فعل أولئك؟ وماذا قدم أولئك؟ لا.

ينبغي أن تكون ثقتنا بالله، وضراعتنا إلى الله، وفزعنا إلى الله، وعند ذلك -يا معاشر المؤمنين- لن نكون عند الله في حظ من الهوان، بل إن الله جل وعلا لن يخيبنا.