للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مقدمات من أين نبدأ]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين.

أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أحمد الله إليكم الذي هو أهلٌ للحمد على كل حال، وأشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأسأله في مستهل اجتماعنا ولقائنا هذا أن يجعل لي ولكم من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوى عافية، ومن كل فتنة عصمة، ومن كل فاحشة أمناً، نسأل الله جل وعلا كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسأله سبحانه وتعالى العزيمة على الرشد، والسلامة في الأمر كله، كما نسأله أن يحبب إلينا دينه، وأن يجعلنا وإياكم من أنصار كلمته، وأن يرفعنا وإياكم بطاعته، وألا يخزينا أو يذلنا بمعصيته، وأن يبارك لنا فيما أباح لنا.

أيها الأحبة في الله: لا أشك أن من بينكم من هو أجدر بالحديث في هذا الموضوع، ولكن نعاتب أنفسنا بتقصيرنا في أمر دعوتنا، ونلوم أنفسنا بأننا ندَّعي ما ليس لنا.

وكلٌ يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك

قد يسميك بعض إخوانك داعية، وأنت لا تعطي دعوتك إلا فضول الأوقات، ووالله لو قام في المنابر أبناؤها ورجالها لما وقفنا فيها، ولو قام في الساحة علماؤها لما قام أبناؤها، ولكن إذا غاب من تقوم به الكفاية انتقل الأمر إلى من ينوب عنه، وهذا زمنٌ صيَّر التلميذ أستاذاً، وكما قال سفيان الثوري أو سفيان بن عيينة رحمهما الله:

خلت الديار فساد غير مسود ومن الشقاء تفردي بالسؤدد

إننا نعلم أن في صفوفنا رجالاً هم أعلم منا، ونحسبهم ولا نزكي على الله أحداً على قدرٍ من التقى والصلاح، والعلم والفقه والاجتهاد، ولكننا نلومهم أيضاً بأن الكثير قد استعذب الخلوة بالكتب، وتلذذ بالمناجاة دون الاختلاط بالناس، ووجد حلاوة العزلة في البعد عن رؤية المنكرات وأصحابها، وهذا مسلكٌ سهل يسير على النفوس؛ أن تخلو في عزلتها وأن تستعذب جميل الألفاظ والعبارات، والأبيات والنكات والنوادر في الكتب، بعيداً عن الإنكار، ومواجهة الإنكار، ومواجهة أصحاب المنكر، وما يوسوس به الشيطان ويعد به ويخوف به: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة:٢٦٨].

عفواً أيها الأحبة! أن نبدأ بهذا العتاب، ولكن كما يقول القائل:

فإذا صرخت بوجه من أحببتهم فلكي يعيش الحب والأحباب

ويبقى الود ما بقي العتاب

لابد أن نكون صادقين حتى في عتابنا، والله جل وعلا كما قال في محكم كتابه: {لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ} [الأحزاب:٨] فليس الصدق وحده هو نهاية المطاف أو منتهى الأمر، لا والله.

بل حتى الذين ظهر منهم الصدق أو ادعوا الصدق سيسألون عن صدقهم، فما بالكم بغيرهم؟! نسأل الله جل وعلا ألا يفتننا وألا يفتن بنا، وألا يجعلنا وإياكم فتنةً للقوم الظالمين.