للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شهادة الأرض]

واعلموا يا عباد الله! أن الأرض التي نمشي عليها هي والله أيضاً شاهدة بأعمالنا وأفعالنا، إن الأرض إذا زال الرجل الصالح منها بكت عليه وافتقدته، وإذا مشى الرجل المجرم فيها تمنت أن تنفتح فجاجها لتبتلعه إلى أسفل سافلين.

إذاً يا عباد الله! فكونوا من الذين تشهد لهم السماوات والأرضون بأفعالهم، يقول الله جل وعلا: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:٢٥ - ٢٩] إذاً فالسماء تبكي والأرض تبكي؛ تبكي على فراق الصالحين المحسنين، على فراق الأتقياء المخبتين، على فراق الخاشعين الساجدين، أما المجرمون، أما الفاسقون، والظالمون، والمعاندون فإن السماء والأرض لا تبكي عليهم: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان:٢٩].

إذاً يا عباد الله! اغتنموا هذه الشهادة في الأعمال الصالحة، وراقبوا أنفسكم، فاليوم عمل ولا جزاء، وغداً جزاء ولا عمل، وحقيقة الأمر يا عباد الله! أن الناس يجزون على أعمالهم في الدنيا والآخرة، ولكن قد يؤخر الجزاء ليكون أغلظ وأشد عقوبة على صاحبه، اعلموا أن كل من حولكم يشهد لكم حتى الجمادات، حتى النباتات، إنها لتشهد للصالحين بالصلاح، ولتشهد على الفاسقين بالإجرام، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث: (إذا كنت في راعيتك أو في غنمك فحضرت الصلاة فارتفع صوتك بالأذان أو أذنت -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فإنه ما من شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد للمؤذن يوم القيامة) الأشجار نباتات، والأحجار والمدر جمادات، كلها تشهد لكم معاشر المؤمنين! فاغتنموا شهادة الشهود السبعة، واغتنموا أعظم وأجل وأكرم شهادة شهادة الله عليكم، والله شهيد عليكم: {وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:٩٨]، {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [البروج:٩].

اللهم اجعلنا ممن شهدت لهم بالعمل الصالح، والسعادة والفوز والنجاة، اللهم اجعلنا ممن شهدت لهم ملائكتك وأنبياؤك ورسلك، والخلق أجمعون بالصلاح والسعادة والأعمال التي ترضيك يا رب العالمين.

اللهم لا تجعلنا من المشهود عليهم بالفسق والإجرام، والمعصية والعناد، والمكابرة والإصرار، اللهم وفقنا إلى أسباب مرضاتك، وجنبنا سبل سخطك.

اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، اللهم أعنا ولا تعن علينا، اللهم كن لنا ولا تكن علينا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم ما سألناك فأعطنا، وما لم نسألك فابتدئنا.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الحي القيوم، اللهم إن كثرت ذنوبنا فإن فضلك أكثر وأعظم، وإن عظمت معاصينا فإن رحمتك أكبر وأعم.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم من أراد بنا سوءاً، اللهم ومن أراد بولاة أمورنا فتنة، اللهم ومن أراد بعلمائنا مكيدة، اللهم ومن أراد بشبابنا وفتياتنا اختلاطاً في التعليم والوظائف اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم أرنا فيه يوماً أسود كيوم فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف وأسوأ من ذلك يا جبار السماوات والأرض! فإنهم لا يعجزونك.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم احفظ إمام المسلمين، اللهم ارفع إمام المسلمين، اللهم اجمع شمله وأعوانه وإخوانه على كتابك وسنة نبيك، اللهم لا تفرح عليهم حاسداً، ولا تشمت بنا ولا بهم عدواً، وسخر لنا ولهم ملائكة السماء برحمتك، وجنود الأرض بقدرتك.

اللهم لا تدع لأحدنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلىً إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً إلا زوجته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحة وهبته.

اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم جازهم بالحسنات إحساناً، وبالسيئات عفواً ومنّاً وغفراناً، اللهم من كان منهم حياً فمتعه بالصحة والعافية على طاعتك، ومن كان منهم ميتاً فاجعل اللهم الرحمة على قبره، وأفسح له في قبره مد بصره، وافتح له أبواباً إلى النعيم والجنان، وآنس وحشته وغربته برحمتك يا أرحم الراحمين.

إن الله وملائكته يصلون على النبي، يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماَ، اللهم صلِّ وسلم وزد وبارك على نبيك محمد صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وارض اللهم عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك! اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم لك الحمد على ما أغثتنا به، اللهم اجعله صيباً نافعاً، وانفع به اللهم عموم المسلمين، اللهم بارك لنا فيما أعطيتنا فلا غنى لنا عن فضلك ومنك ورحمتك يا رب العالمين.

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.