للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ثواب وفضل الصبر على البلاء]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، واعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة؛ وكل بدعة في الدين ضلالة؛ وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذَّ شذَّ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

معاشر المؤمنين: نداء نوجهه إلى كل سقيم على فراش السقم، وإلى كل مريض على مرقد المرض، وإلى كل مبتلى ببلية في بدنه أو في غير ذلك، نقول له: اسمع ما بشرت به وما ينتظرك من الفضل والثواب إن كنت صابراً محتسباً! فأول ذلك: أن البلاء قد يكون من دلائل صلابة العبد في دينه، وأن الله ربما أحبه فابتلاه في الدنيا لتكفر ذنوبه وخطاياه فيقدم على ربه طاهراً مطهراً، فعن سعد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه البخاري.

فلا تجزع يوم أن ترى قريباً من أقاربك أو ذوي رحمك أو عصبتك أو من جيرانك أو المسلمين مريضاً وإن طالت به أشهر المرض وسنينه، فإن الله جل وعلا يكفر من ذنوبه بكل لحظة يرقد فيها على علته وسقمه.

وعن فاطمة رضي الله عنها قالت: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم نعوده في نسائه، فإذا سقاء- يعني: قربة- معلق نحوه صلى الله عليه وسلم، يقطر ماء السقاء على النبي صلى الله عليه وسلم من شدة ما يجد من حرِّ الحمى، قلنا: يا رسول الله! لو دعوت الله لشفاك؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن من أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه الإمام أحمد بسند صحيح.

وتقول عائشة رضي الله عنها: [كان صلى الله عليه وسلم رجلاً مسقاماً] أي: كثيراً ما يطرقه السقم وكثيراً ما ينزل به المرض، وربما وصف له الدواء فتداوى.

ثم إن هذه المصائب هي بقدر الله وقدر الله خير، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يذكره عبد الرحمن بن أبي ليلى عن صهيب قال: (بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه إذ ضحك، فقال: ألا تسألونني مم أضحك؟ قالوا: يا رسول الله! وممَّ تضحك؟ قال: أضحك عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمن: إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه الإمام أحمد.

والمرض يكفر الذنوب كما في حديث أم العلاء يوم أن كانت مريضة فزارها النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (يا أم العلاء! أبشري فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة) رواه أبو داود بسند صحيح.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهم يهمه إلا كفر الله به من سيئاته) رواه مسلم والوصب: هو المرض، والنصب: التعب، والهم: من أمر المستقبل، والحزن: على أمرٍ قد مضى.

سبحان الله! حتى الهموم التي تحل بذهن العبد وخاطره يكفر الله بها من ذنوبه وسيئاته، لك الحمد يا ربنا على هذا الدين العظيم الذي ما ترك لنا شيئاً في سراء أو ضراء إلا وفتح فيه باباً إلى الرضا والمثوبة والجنة، حتى الهم لو اشتغلت بأمر سكنى أولادك أو نفقة زوجتك أو أهمك أمر بناتك، أو أهمك أمر من الأمور الدنيوية المباحة، فإن هذا الهم تكون مأجوراً عليه، فما بالك بمن أهمه حال المسلمين في البوسنة، أو حال المسلمين في كشمير، أو حالهم في الفليبين، أو حالهم في فلسطين، أو حالهم في أي بقعة من البقاع؟ الهم لمصلحة الشخص فيه تكفير للسيئات، فما بالك بالهم الذي هو لأجل الدين وأبناء الدين؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تنزل المعونة من السماء على قدر المئونة، وينزل الصبر على قدر المصيبة) رواه البزار والحديث صحيح، والمئونة: القوت، ومن نعم الله أن الله يوطئ للمصيبة في قلب العبد شيئاً من الرضا وشيئاً من الاحتساب وشيئاً من الصبر، حتى إذا نزلت المصيبة، نزلت هينة على العبد، فلا يفوته حظه فيها من الاسترجاع والفوز والأجر العظيم عند صبره عليها لكي يصبر في أول وهلة تطرقه المصيبة (إنما الصبر عند الصدمة الأولى).