للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر عن المعصية]

ومن أنواع الصبر أيضاً: الصبر عن معصية الله خوفاً من الله وهيبةً منه أن يستعين العبد بنعمه على معصيته، ولا بد للعبد من الصبر عن معصية الله؛ لأن المعاصي تظهر للعبد غالباً في ثوب الشهوة، وقالب اللذة، فإن دفع نفسه بالصبر عن الوقوع فيها فقد نجا وسلم من الوقوع في معصية الله، وأسباب سخطه وعقابه، والصبر عن المعصية -يا عباد الله- صبر اختيار، صبر رضاً ومحاربة للنفس، لا سيما مع وجود الأسباب الدافعة إلى المعصية.

ومن أروع أمثلة الصبر عن معصية الله: صبر يوسف عليه السلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه الأمور جرت عليه بغير اختيار، ولا كسب له فيها، وليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عليه السلام عن المعصية، فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس مع وجود الأسباب الداعية إلى المعصية، فقد كان عليه السلام شاباً عازباً غريباً مملوكاً، والمرأة جميلة ذات منصب وجمال وهي سيدته وقد غاب الرقيب وهي التي دعته إلى نفسها، وحرصت على ذلك أشد الحرص وتوعدته بالسجن والصغار إن لم يفعل ما راودته عليه ومع ذلك كله صبر مختاراً مؤثراً ما عند الله متحملاً ذلك الأذى وتلك العقوبة، حيث قال عليه السلام: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} [يوسف:٣٣].