للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[تقلب الدنيا]

عباد الله: إن بعض المسلمين هداهم الله، قد انشغلوا باللهو عن ذكر الله، وغرهم إقبال الدنيا عليهم، وخدعهم تردد خلان الغنى والرخاء إليهم، وما تأملوا حقيقة دنياهم ونعيمها، وأن الأيام فيها دولة يداولها الله بين الناس، وكأن بعضهم ما سمعوا وما عرفوا أحوال الأمم السالفة فيما مضى والحاضرة في هذا الزمان، كيف هوت وسقطت من عز إلى ذل، ومن قوة إلى ضعف، ومن غنى إلى فقر، ومن شمل مجتمع إلى شتات وتفرق وتشرد، قالت هند بنت الملك النعمان بن المنذر: لقد رأيتنا ونحن من أعز الناس وأشدهم ملكاً، ثم لم تغب الشمس حتى رأيتنا ونحن أقل الناس، وسألها رجل أن تحدثه عن أمرها، قالت: أصبحنا ذات صباح وما في العرب أحد إلا يرجونا، ثم أمسينا وما في العرب أحد إلا يرحمنا، وقال إسحاق بن طلحة: دخلت عليها يوماً فقلت: كيف رأيت؟ كيف الأمر بكم يا بنت النعمان؟ فأنشدت قائلة:

فبينا نسوس الناس والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة متنصف

فأفٍ لدنيا لا يدوم نعيمها تقلب ساراتٍ بنا ونصرف

قال صلى الله عليه وسلم: (حقاً على الله ما رفع شيئاً إلا وضعه) فلا تغتروا بالدنيا -يا عباد الله- ولا تجزعوا على المصائب فيها، فإذا كانت النفوس التي تملك الأشياء، تذهب فكيف نبكي على ما ذهب من مال أو متاع أو ولد؟! قال الشاعر:

نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة فكيف أبكي على شيء إذا ذهب

فكونوا من دنياكم على حذر، واتخذوها معبراً ولا تجعلوها مقراً.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب وتوبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى، ويمطر السماء عليكم مدراراً.