للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصبر على طول الطريق]

وأخيراً أيها الأحبة! من أراد الجنة فليصبر على طول الطريق، وليوطن نفسه إذا انغلق عليه بابٌ في الطاعة والدعوة فليفتح باباً آخر، إن من الناس من تجده قد عود نفسه في الدعوة والعبادة على خطٍ معين، فربما انغلق عليه الطريق ذات يومٍ بسببٍ من الأسباب، نقول: إذا أُغلق الطريق فافتح طريقاً آخر، وإذا أُغلق هذا الطريق فافتح طريقاً ثالثاً، وهكذا إلى أن تلقى الله جل وعلا وهو راضٍ عنك غير غضبان، بمنه ورحمته، نريد طول النفس، لقد صنع في إحدى دول أوروبا نوع من اللمبات إضاءة هذه اللمبة يقال: تمكث عشر سنوات لا تنفد.

أنتم تلاحظون الآن الواحد كل أسبوع اللمبة عنده محترقة، فيذهب ويأتي بلمبة جديدة، نحن لا نريد المسلم الذي تاريخ فعاليته قصير؛ عشرة أيام ويحترق، أو سنة ويحترق، أو ثلاث سنوات ويحترق، نريد مسلماً ليس من النوع الأوروبي هذا في اللمبة، بل طويل المدى، نريده مستمراً لا يخفت أبداً، مسلم من نوع: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩]، مسلم من نوع: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].

فإن من أراد الجنة صبر على طول الطريق، ومن ضعف أو تقاعس أو تكاسل، أو مل أو اضمحل؛ فربما كانت خاتمته خاتمة المفرطين أو المنهزمين، أو الضائعين أو المنحرفين، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

فعلى كل مسلمٍ أن يجعل الطريق نصب عينيه، وكما قال علي بن أبي طالب: [اللهم أشكو إليك طول الطريق وقلة الزاد] ولكن نستعين على هذا بما أرشد الله نبيه إليه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} [المزمل:١ - ٤] لماذا القيام؟ لماذا الترتيل؟ لماذا القراءة؟ لماذا الذكر؟ {إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} [المزمل:٥ - ٦] فمن أراد أن يأنس بما يعينه وأن يتزود بما يثبته في طريقه إلى الجنة، فليجعل التسبيح والقيام، والعبادة والتهجد، والاستغفار والإنابة زاداً له، فإنها نعم الطريق بمن الله، وهنيئاً لكل مؤمنٍ عبد ربه على بصيرة: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤] {عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ} [الغاشية:٣] يعملون ويشقون وينصبون {تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً} [الغاشية:٤].

فهنيئاً لكل مسلم عبد الله على بصيرة، وسلك متبعاً منهج نبيه صلى الله عليه وسلم، أولئك في الغرفات آمنون، أسأل الله أن يجعلنا وإياكم منهم، وهذا الكلام ليس للرجال وحدهم فحسب، بل هو للرجال والنساء، فإن خطاب القرآن يوم أن ينادي المؤمنين لا يخص الرجال دون النساء، أو النساء دون الرجال، بل الخطاب عامٌ إلا ما استثنيُ فيه ببينة أو خص فيه النساء بقرينة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنبٍ إنه هو الغفور الرحيم.