للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العلاقات المتبادلة]

ثم بعد ذلك أيها الإخوة! البداية بعد هذه النقطة في علاقتي بكم وعلاقتكم بي، تستمر علاقاتنا وصحبتنا على وتيرة واحدة، حيا الله فلاناً، أهلاً وسهلاً، حيا الله الداعية، حيا الله الشيخ، حيا الله فلاناً، حيا الله فلاناً، وأين نقدنا لبعض؟ أين الذين تواصوا بالحق، وتواصوا بالصبر؟ أحد جاء وأمسك فلان بن فلان قال له: اتق الله، لقد فعلت كذا، فإن كان فعلاً قد فعله، قال: أستغفر الله وأتوب إليه، وإن كان لم يفعله قال: لم أفعله وجزاك الله خيراً حذرتني منه، قال ابن القيم: ومن مساوئ الخلطاء أو المجالس أن تجد بعضهم يتزين لبعض، وهذا أمر ملاحظ، تجد الواحد يجلس في مجلس، والله يا فلان ما مثلك! وأنت حقيقة ما بعدك، ثم نجلس فرشاة في بعض، كل واحد يمدح الآخر، ونقوم وكأن الواحد منا إبراهيم الحربي، وإبراهيم النخعي، وسفيان بن عيينة، وإسحاق بن راهويه ما شاء الله بلغنا قمة الأمر، أين المناصحة فيما بيننا؟ أين التواصي فيما بيننا؟ بالأمس وقت صلاة الظهر ولعل الكثير منكم حضر جنازة أبي عبد الملك الأخ في الله إبراهيم الشارق، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، أسأل الله أن يجمعنا به في الجنة، كان صديقاً محباً، ربما زارني في سرٍ وزرته في سر، وجلسنا لوحدنا، وجلوسي معه وجلوسه معي على انفراد أكثر من جلوسنا على اجتماع، فكان الشيخ محمد الفراج جزاه الله خيراً يستغل فرصة اجتماع الشباب من أجل الصلاة على الجنازة ومن ثم التشييع واتباعها، فذكر كلاماً، والله قال كلمة تمنيت أني كنت الجنازة، والله أيها الإخوة! قال: وقد عرفنا الأخ إبراهيم عفيف اللسان عن الغيبة والنميمة، الله أكبر! أيها الإخوة! من يجد هذه المنقبة؟ هي مسألة سهلة، قد يقول واحد: ظنناك ستمدحه بأنه حفظ الصحاح أو السنن، أو القرآن بسبع قراءات، هذه خير، ولكن العفة عن الغيبة والنميمة أخير وأعظم، من منا أيها الإخوة! في تهذيبه وانطلاقه بالدعوة من نفسه، يبدأ مع إخوانه، فإذا بدأت أتكلم في عرض فلان قال: ما أنت بالشيخ سعد، أنت أقل من الأخ سعد، اصمت هذه غيبة، إن شئت قلها صراحة، إن شئت قلها بتورية، إن شئت قلها كناية، إن شئت أومئ ببصرك، إن شئت خذني على انفراد، إن شئت انصحني بأي طريقة، المهم ألا نسكت عن بعض، وألا يجامل بعضنا بعضاً.

من هنا نبدأ أيها الإخوة! أن نكون صادقين في علاقاتنا، ألسنا نتحاب في الله؟ ألسنا ندعي أن العلاقة والرابطة بيننا هي الحب في الله والبغض في الله؟ فلماذا إذاً يتزيا ويتزين ويتجمل بعضنا أمام بعض بالمديح المتبادل؟ ربما تفعل خيراً فتسمع ثناءً، وتلك عاجل بشرى المؤمن كما في الحديث، لكن والله يا أيها الإخوة! إن الإنسان يأتيه الشيطان، وأيضاً يحاسب نفسه، يقول: الله أكبر! مر شهر كامل ما واحد من إخوانك دس لك رسالة تحت الباب ينصحك، ما شاء الله، أنت الكامل!! أنت المثل الأعلى، والقدوة الأسنى!! ما فيك خطأ أبداً!! رغم مجالساتك وكثرة حديثك ولقائك وكلامك، ما نصحك أحدهم، وما أهداك عيباً من عيوبك.

لماذا؟ لأننا نكره أن ينصحنا إنسان في عيوبنا، نحب المديح، نتلذذ له: جزاك الله خيراً، أحبك الله كما أحببتني فيه وهلم جراً، لكن نصيحة، يا أخي! بعض الناس معقد، بعض الناس ما يفهم.

أعجبني ذات مرة أحد الإخوان، قلت له: أتمنى أن أكون ممن حفظ القرآن كله عن ظهر قلب كسائر الحفاظ، قال: تريد أن تحفظ القرآن وأنت تجمع في حياتك بين شغل الدنيا والآخرة؟ لا يمكن أن تحفظ إلا إذا تفرغت للآخرة تماماً، أعجبتني هذه الكلمات، والله تلذذت بها، قلت: يا أخي! الله يجزيك خيراً، لطالما اشتقت أن أسمع كلمة كهذه، لو كان غيره: لا يا أخ سعد! أنت مشغول في الدعوة، وهؤلاء الإخوان يشغلون وقتك وأنت وأنت وهلم جراً، وأخذ كل واحد منا يلمع ويرقع ويزين للآخر، لكن الصدق في العلاقة هو خير ما نربي به بعضنا البعض.