للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[التوبة المؤثرة]

السؤال

أنا شاب قد أسرف على نفسه وحاول التوبة كثيراً، ولكني أفشل في كل مرة فأعود إلى الذنوب، فماذا أفعل؟

الجواب

يا أخي الحبيب! يسمونها توبة الثعالب، لكن لا حرج، نقول: تب إلى الله ثانية وثالثة، ورابعة وخامسة وعاشرة، وسأقول لك أين الخلل.

الخلل: أنك لما عزمت التوبة لم تصدق في تجريد القصد، ولم تكن جاداً في تطبيق بنود هذه التوبة.

البند الأول من التوبة: الإقلاع عن الذنب، الإقلاع، ما معنى إقلاع الطائرة؟ ما بقي منها جزءٌ على الأرض، فإقلاعك عن الذنب ألا يبقى عندك قطعة مرتبطة بالذنب موجودة في البيت، لكن بعض الشباب -كما قلنا ونردده- يقلع عن الذنوب؛ عن كل الأفلام إلا فيلمين جعلهما تحت السرير، وأحرق المجلات إلا مجلةً فوق الدولاب، ومزق الأشرطة إلا شريطاً في الجيب الأيسر للسيارة، وهنا يظهر الخداع والتحيل على النفس، ما صارت توبة، بل مجرد تبديل أشرطة في وقت معين، أما نية العودة إلى المعصية موجودة وأكبر دليل عدم التخلص من البقايا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] أي: في الإسلام كافة، لابد أن يوجد هذا القصد وهذا الهدف، فإذا كنت جاداً ابذل هذا الأمر.

الأمر الآخر: ألا وهو -أخي الحبيب! - تغيير البيئة، رُب كثير من الناس يعصي الله بسبب الوسط الذي هو فيه، فإذا ترك هؤلاء الجلساء في وسطهم وبيئتهم التي لا يسمع فيها إلا غيبة ونميمة، ولهواً وصوراً محرمة، وغناء خليعاً ونحو ذلك، إذا تركهم وخالط أقواماً يذكرون الله ويتلون كتابه، ويتعاونون على العبادة ويهتمون بأمور أهلهم وصلات رحمهم وحاجات والديهم يستقيم ويستمر، فقضية الانتقال مهمة، والحديث الذي تعرفونه وطالما رددناه، والذكرى تنفع: أن رجلاً من بني إسرائيل قتل تسعة وتسعين نفساً، فندم وأراد التوبة -الله لا يهينه بعد تسعة وتسعين نفساً يندم- فجاء إلى راهب، قال: إني قتلت تسعة وتسعين نفساً، فهل لي من توبة؟ قال الراهب: لا.

ما لك من توبة، فقام وغرس الخنجر في صدره فأكمل به المائة، ثم ذهب إلى عالم -المرة الأولى ذهب إلى راهب، فمجرد العبادة، ومجرد طقوس العبادة، أو مجرد إنسان يتعبد بدون علم هذه مسألة ضعف، فلابد مع العبادة العلم: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩]، لابد أن تكون العبادة بعلم، والمتعبد بلا علم قد يضل- المرة الأولى ذهب إلى راهب فأخبره، فقال: ليس لك توبة، فذهب إلى عالم في المرة الثانية، قال: إني قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ -وكأني بذاك الرجل يقول: إذا قال: لا، أكمل المائة وواحد، نعم.

كما يقال عن رجل كان يدور على حفرة ويقول: تسعة عشر تسعة عشر تسعة عشر، فجاء رجل قال: أيش تسعة عشر؟ قال له: تعال، ولما طل دفعه في الحفرة وقال: عشرين عشرين عشرين، فالمسألة مسألة تكميل عدد- ذهب ذلك الرجل إلى العالم قال: قتلت مائة نفس، فهل لي من توبة؟ قال: ومن ذا يمنعك التوبة؟ إن باب التوبة مفتوح، ما لم تغرر أو تطلع الشمس من مغربها، ارحل إلى قوم بني فلان، أو اذهب إلى قرية بني فلان، فإن فيها قوماً يعبدون الله فاعبد الله معهم الحديث فالمسألة الأولى بداية العمل، وبداية الأمل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر:٥٣] ونقولها لكل شاب، مهما بلغت ذنوبه، أياً كان، بعض الشباب يظن أن التوبة على قليل أغاني، وقليل أفلام، أما اللواط والزنا، والسرقة والشعوذة، والسحر والكهانة، هذه أمور لا يمكن أن يتوب الله على من فعلها، لا: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:٤٨] حتى من وقع في الكفر فجدد الإسلام ودخل الإسلام على نيةٍ صالحة صادقة، وعلى بصيرة، وعلى توحيدٍ صحيح، فإن ذلك يجب ما قبله (أسلمت على ما أسلفت والتوبة تجب ما قبلها) فتخلص من بقايا المعصية، والحق بشبابٍ أو بصحبٍ أو بقومٍ يعينونك على الطاعة، ويذكرونك إذا غفلت، ويعينوك إذا ذكرت.

هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.