للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحديات عظام تواجه الإسلام]

واليوم وديننا يقترب من عقده الثالث من القرن الخامس عشر الهجري، وهو على عتبة القرن الحادي والعشرين الميلادي، يجد نفسه محاصراً بألف تحدٍ وتحد:

ولو كان سهماً واحداً لاتقيته ولكنه سهمٌ وثانٍ وثالث

هذا الدين وأمة هذا الدين تجد نفسها محاصرة، إن الاستعمار الجديد والمادية الملحدة يضيقان الخناق شيئاً فشيئاً بالغزو الفكري والتخريب الأخلاقي، والتدمير الاجتماعي، وتجويع الشعوب، والاستنزاف الاقتصادي، والصهيونية التي أقامت أشد العنصريات في التاريخ سلفاً ووحشيةً وأنانيةً وغروراً، تضع كافة إمكانياتها جنباً إلى جنب، تضع كافة ما أوتيت مع أتباعها وبعضهم لبعضٍ ظهير؛ لسحق هذا الدين وإبادة أتباعه، وإضعافهم أو شلهم على الأقل، وغير هؤلاء وهؤلاء عشراتٌ بل مئات من الضغوط والتحديات، تظن أنها ستهدم هذا الدين، أو ستخرج بنيانه أو تهد أركانه، والسؤال الذي ربما سأله بعض أبناء المسلمين: هل سيقدر هذا الدين هذه المرة أن يخرج من المعركة الطاحنة ظافراً ومنصوراً وأعداؤه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وشماله، ومن تحته أعداءٌ آخرون لا تعلمونهم والله يعلمهم:

وسوى الروم خلف جسمك روم فعلى أي جانبيك تميل

نعم.

إنه لمن البديهيات في عمر هذا الدين بالأربعة عشر قرناً وزيادة أن يخرج ظافراً منصوراً حيثما وجد نفسه في وضع المتحدي طال الزمان أم قصر، فالعبرة كما هو معروفٌ بنتائج الأمور وأخرياتها لا ببدايتها، والعبرة ليست بنقص البداية، لكن بكمال النهاية

والليالي من الزمان حبالى مثقلاتٍ يلدن كل عجيبة

هناك ضروبٌ وضروبٌ من التحديات القادمة، ليست جديدةً عن هذا القرن في مضمونها أو جوهرها وحقيقتها، لكنها ربما ظهرت بلونٍ جديد، وشكلٍ غريب، واسمٍ براق، وقال: ابن مضرم: يظن البعض أنها تحديات لا تقهر، لا تبارى ولا تجارى ولا تغلب، وقد نسوا أن الله قد أهلك أمماً هي أقوى من أمم الغرب التي صنعت عابرات القارات، والتي صنعت الغواصة والقنبلة، واكتشفت الحاسب، وبحثت عن أدق العجائب في هذا الكون، إن الله من قبل قد أهلك أمماً أشد منها.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم:٩].

اسمعوا قول الله أيضاً: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلا نَاصِرَ لَهُمْ} [محمد:١٣] {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:٦].

أو بعد هذا يبقى في نفس مسلمٍ شكٌ أو ريبٌ في أن الغلبة لهذا الدين؟ أو بعد هذا يبقى في نفس مسلمٍ شك أو ريبٌ أن ما بلغه الأعداء من تقنيتهم ومكتشفاتهم وحضارتهم، سيكون السلاح الذي به يقتلون، والمال الذي يفتك بهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦].

نعم.

ينفقون أموالاً طائلة على الطابور السادس، وأموالاً طائلة على شراء العقول، وأموالاً طائلة على إفساد الانتماء، وأموالاً طائلة على حربٍ لم تأت بدبابات زاحفة، ولا بطائراتٍ راجمة، ولا بقنابل منفجرة، وإنما هي حرب الفضاء، حرب الإعلام، حرب الصورة والكلمة، ينفقون أموالاً طائلة: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال:٣٦].