للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إصابة كثير من المسلمين بالإحباط والخذلان]

الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان:٣٣].

معاشر المؤمنين: مر بنا الحديث في جمعتين ماضيتين عن تحديات العصر والقرن القادم، وما أعده ويعده أعداء الإسلام على اختلاف ألوانهم ومللهم ونحلهم ولغاتهم، ما أعدوه ويعدونه لأجل حرب الإسلام، في صورة الحرب الجديدة، حرب الصوت والصورة والكلمة، وإن كانوا لا يألونكم خبالا ما أمكنتهم الفرص إلى ذلك سبيلا لإجهاض أي قوة، أو ضرب أي قوة يجدها المسلمون أو يستطيعونها، وإتماماً للحديث؛ فإن من التحديات الخطيرة التي لا زال الغرب يكرسها مصطلح العولمة الذي طبل له من طبل، وردد له طائفة أو كثيرٌ ممن لا يدركون أبعاده.

هذا الأمر الخطير العجيب -يا عباد الله- يتضمن تحدياً قادماً وقائما، وهو تحدي المسلمين في استمرار عجزهم عن نقل أسرار التقنية، واكتشاف أسرار الصناعة في مجالات شتى حربية وعسكرية، طبية وكيميائية وفيزيائية وغيرها، حتى لقد أصبح لدى بعض شبابنا عقدة اليقين بالعجز والقطع بالمستحيل أنه لا يمكن أن نواكب الغرب فضلاً عن أن نتحداه في مخترعاته وابتكاراته، وربما سمعت من شبابنا من يردد مقولة الغربي المشهورة: إذا دخل العرب عالم الحضارة والذرة نكون قد بلغنا عالم ما فوق الذرة.

أيها الأحبة في الله: وإن من دلائل هذا التحدي، ومن دلائل الإخفاق الذي يواجهه لدى كثير من أبناء المسلمين وشبابهم أن ترى الواحد منهم يغفر فاه، ويندهش من كل جديد ولا يفكر أن يوجد جديدا؛ لأنه قد استقر في قلبه ولبه وجوهره أنه لا يمكن أن يجاري الغرب، ولا يمكن أن يتحداهم، ولا يمكن أن يصنع ما صنعوه، فضلاً عن أن يسبقهم إلى مجالٍ لم يكتشفوه، وإنهم بهذا وكأنهم يقولون في حرب الصوت والصورة والكلمة، وحرب التحدي العلمي، وحرب الاحتكار لنقل أسرار التقنية والاختراع، كأنهم يقولون: أتظنون أن خطبكم أو ندواتكم أو أشرطتكم أو محاضراتكم أو دروسكم الدينية، أتظنون أنها سوف تواجه هذا المحيط المتلاطم في أمواجه، الذي يعصف بالدول والقارات والأمم، تريدون أن تتحدوا الغرب بخطبة على منبر؟ تريدون أن تتحدوا الغرب بمحاضرة لا يحضرها إلا صفان أو ثلاثة؟ تريدون أن تتحدوا الغرب بقرآن قد وضع على الرفوف؟ تريدون أن تتحدوا الغرب بأحاديث ترددونها في مجالسكم؟ هذا وجه خفي باطنٌ لوجه العولمة، الذي تريد من كل واحد أن يسلم خاضعاً مذعناً مستسلماً أن القيادة والقوة والسيطرة قد أصبحت بيد الغرب، وما سوى ذلك من أمور الدين والقرآن والسنة، ومن أمور الشريعة والعقائد والقيم والمبادئ، إنما هي محض أمور شخصية، ومحض قضايا شخصية بحتة، لا يمكن أن تعمم في العالم، ولا يمكن أن تتحكم في سلوك البشر إلا في إطار الأمور الشخصية الضيقة البحتة، من طلاق أو زواج أو تغسيل ميت، أو دفن ميت، أو شيء أقل أو أكثر من ذلك، وما سوى فإن العولمة تفرض ما تريده في القضايا السياسية، والجوانب الاقتصادية، والعلاقات الاجتماعية، وتفرض ما تريده في المادة والطرح الإعلامي، وتفرض ما تريده فيما شاءت، يريدون أن يسلم الناس وأن يذعنوا للنظام الجديد المتوحد المتفرد بزعمهم، ويأبى الله ذلك إذ أن الله وحده لا شريك له هو المتفرد بالحكم، لا شريك له هو المتفرد بالأمر لا شريك له، هو المتفرد بالتدبير وما شاء كان وما سواه فخلق قد جعل الله لهم من أقوياء وضعفاء أنداداً وأمثالاً يصارعونهم ويغالبونهم ويدالون عليهم دولة وينهزمون أخرى: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠] لا تظنوا أن أحداً يمكن أن يتفرد بالعالم قيادة وتحكماً وسيطرة في أي جانب من جوانبه عسكرية كانت أو اقتصادية أو إعلامية أو تعليمية

ولكل شيء آفة من جنسه حتى الحديد سطا عليه المبرد