للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تاريخ اليابان يتغير بسبب شاب واحد]

يا شباب الإسلام: ألا تعجبون من أمم وثنية ليس لها دين صحيح، وليس لها وحي معصوم منزل، هذه الأمم الوثنية استطاعت أن تتحدى الغرب، واستطاعت أن تجعله راكعاً أمام عقلها وإنتاجها وقدرتها، استطاعت أن تهزأ وتسخر بالخرافة القائلة إن الغرب لا يُتحدى ولا يبارى.

واسمعوا إن شئتم قصة طالب يابانيٍ لتعلموا أن الهزيمة ليست في العناصر والمواد، لكنها -والله- في العقول والقلوب، إن المهزوم قلبه لا يستطيع أن يطلق طلقة واحدة في وجه عدوه، ولو كان السلاح في يده: {فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف:١٧٦] طالب ياباني اسمه أوساهير بعثته حكومة اليابان للدراسة في ألمانيا، في بداية محاولتها للنهوض والخروج من ضربة عسكرية قاتلة مميتة في هيروشيما ونجزاكي، هذا الطالب يقول: لما بعثت إلى ألمانيا لو أنني اتبعت نصائح أساتذتي الألمان الذين ذهبت لأدرس عليهم في جامعة هاربرج لما وصلت إلى شيء، كانت حكومتي قد أرسلتني لأدرس أصول الميكانيك العلمية، وكنت أحلم كيف أصنع محركاً صغيرا، وبدلاً من أن تأخذني الأساتذة إلى معمل أو مركز تدريب عملي أخذوا يعطونني كتباً لأقرأها، وقرأت وقرأت حتى عرفت نظريات المكانيك كلها، ولكنني ظللت أمام المحرك أياً كانت قوته وكأنني أقف أمام لغز لا يحل، وفي ذات يوم قرأت عن معرض محركات إيطالية الصنع وكان ذلك أول الشهر، وكان معي راتب وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين، ثمنه يعادل كامل مرتبي، فأخرجت الراتب ودفعته، وحملت المحرك، وكان ثقيلاً جدا، وذهبت إلى حجرتي، ووضعته على المنضدة، وجعلت أنظر إليه كأني أنظر إلى تاج من الجوهر، وقلت لنفسي: هذا هو سر قوة الغرب، هذا هو سر قوة أوروبا، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان، انظروا إلى هذه الهمة وإلى هذه النفس التي هاجرت من اليابان إلى ألمانيا تريد أن تغير تاريخ اليابان! من دولة مهزومة إلى دولة غازية منتصرة! ومن دولة مستهلكة متخلفة إلى دولة منتجة متحدية! يقول أوساهير: وطاف في ذهني خاطر يقول: إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى: مغناطيس، أسلاك، أذرعة، عجلات، دوافع، ولو أنني استطعت أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها، ثم شغلته فاشتغل، أكون قد خطوت خطوة نحو سر الصناعة الأوروبية، وبحثت في رفوف الكتب التي عندي حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات، وأخذت ورقاً كثيراً، وأتيت بصندوق وأدوات العمل، ومضيت أعمل، رسمت المحرك بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمي أجزاء المحرك، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة رسمتها على الورق بغاية الدقة، وأعطيتها رقماً، وشيئاً فشيئاً فككته كله، ثم أعدت تركيبه وشغلته من جديد فاشتغل، فكاد قلبي أن يقف من الفرح.

يقول: استغرقت العملية ثلاثة أيام، كنت آكل في اليوم وجبة واحدة، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل، وحملت النبأ إلى رئيس بعثتنا فقال: حسناً ما فعلت الآن لا بد أن تختبر، سنأتيك بمحرك متعطل وعليك أن تفككه وتكشف موضع الخطأ وتصححه، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وكلفتني هذه العملية عشرة أيام عرفت أثناءها مواضع الخلل، فقد كانت ثلاثاً من القطع البالية متآكله صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد، يقول عن نفسه: مع أنني بوذي على مذهب رن ومذهبي هذا يقدس العمل ويعتبره عبادة، ثم قال رئيس البعثة: عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك ثم تركبها محركاً، ولكنني أستطيع أن أفعل ذلك إذا التحقت بمصانع صهر الحديد، وصهر النحاس والألومنيوم، وبدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراة على الورق كما أراد مني أساتذتي الألمان تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء، وأقف صاغراً أمام أو بجانب عامل صهر المعادن، كنت أطيع أوامره كأنه سيدٌ عظيم، حتى كنت أخدمه وقت الأكل مع أنني -يقول عن نفسه- من أسرة ساموراي العريقة التي تُخدَم ولا تخدم، ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شيء.

يقول: قضيت هذه الدراسات والتدريبات ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم، بعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة، وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة، وعلم الحاكم الياباني الميكادو بأمري فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهب، واشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة، وأدوات وآلات، وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت النقود قد فرغت، فوضعت راتبي وكلما ادخرته وعندما وصلت إلى نجزاكي قيل لي: إن الميكادو الحاكم يريد أن يراني، قلت: لن أستحق مقابلته إلا بعد أن ننشئ مصنع محركات كامل، واستغرق ذلك تسع سنوات، وفي يوم من الأيام حملت على ساعدي عشرة محركات صنعت في اليابان قطعة قطعة، حملناها إلى قصر الميكادو، ووضعناها في قاعدة خاصة، وأدرنا المحركات، ودخل الميكادو يقول: وانحنينا تحية له، وابتسم وقال لما رأى هذه المحركات: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي، صوت محركات يابانية خالصة، هكذا ملكنا الموديل وهو سر قوة الغرب، نقلناه إلى اليابان، نقلنا قوة أوروبا إلى اليابان، نقلنا اليابان إلى الغرب وبعد ذلك نمت عشر ساعات لأول مرة في حياتي منذ خمس عشرة سنة.

أيها الأحبة: ألا تعجبون؟ أيها الشباب! وأنتم على أبواب الامتحانات وفي مرحلة من مراحل التحدي: ألا تعجبون من هذه الحادثة التي هي من جنس سر التحدي الياباني الغربي اليوم؟.

بهذا أصبحت اليابان المدمرة عسكرياً في نجزاكي وهيروشيما المحظور عليها الدخول في الصناعات الحربية والعسكرية، أصبحت قوة اقتصادية تحسب لها الصين ذات المليار ونصف المليار نسمة، وتحسب لها الغرب ألف حساب، ألا يستحق ديننا تضحية وبذلاً وسهراً لأجل الجهاد والتحدي في مجالات الجهاد المعاصر جهاد الاقتصاد، وجهاد الكلمة، وجهاد الصوت، وجهاد الدعوة، وجهاد نزع الذل الذي خيم في قلوب كثير من الشباب، حتى أصبحوا لا يستطيعون إلا أن يقودوا سيارة قد صدرها الأعداء إليهم، وأصبحوا لا يظنون سوى أنهم قادرون على الاستهلاك، أما الإنتاج فهم سيظلون عالة على غيرهم؟ بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.