للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أسر ومجتمعات دمرتها الأطباق]

هذا واحد من أخطار الغزو القادم عبر السماء في قوالب الصور والكلمات، ومن أخطاره المدمرة: إفساده للأسرة، فكم تلقينا، وكم قرأنا، وكم سمعنا، عديداً وعدداً من الشكاوى التي تحكي أسرة كانت آمنة مطمئنة، فلما دخل المشئوم عليها جعل عاليها سافلها، وبدل شكر نعمة الله فيها كفراً، وأحل أهلها الشقاق والطلاق؟! هذه امرأة غيور تبكي وتستنجد، من ينقذ زوجها من هذه العزلة التي اختارها لنفسه، أو اختارها مع شلته أمام ما يُسمى بـ (الدش) حتى الهزيع الأخير من الليل، والزوجة الحرَّى تطاول ليلها، واحلولك ظلامه، وزوجها مشغول عنها وعن أطفالها الذين قد ناموا، مشغول بتلك القنوات الجديدة، وبتلك القنوات القديمة، وعبر ما يُسمى بـ (الريموت كنترول) يتنقل من قناة إلى قناة، ومن وجه إلى وجه, ومن صدر إلى صدر، ومن ساق إلى ساق، ومن صورة ماجنة إلى حالة عارية، فما المخرج والبديل لتلك المرأة الحرَّى، التي تطاول ليلها، واحلولك ظلامه؟! إن كانت صالحة: جاهدت نفسها بذكر الله وطاعته، والتهجد، وقراءة القرآن، تدعو الله عزَّ وجلَّ في ليلها الذي غفل فيه زوجها، تدعو الله أن يرد زوجها إليها رداً جميلاً.

وإن كانت امرأة غير صالحة: أشغلت نفسها بمثل ما أشغل به زوجُها نفسه، وربما بما هو أسوأ من ذلك "ودقة بدقة، وإن زدت زاد السقا" "وكما تدين تُدان" فهل ترون في حياة كهذه سعادة أو حبوراً؟! لا أشك لو أن بين أيدينا إحصائيات دقيقة لرأينا تزايد نسب الطلاق، والفشل في الدراسة، والإخفاق في الوظيفة، وتوالي الأحداث، وأنواع الجرائم من السرقات والخطف والسطو، قد تزيد طرداً مع تزايد انتشار تلك الأطباق المستقبِلة للبث.

نعم لا يخلو مجتمع من جريمة قلَّت أو كثرت؛ لكن الخط البياني للجريمة يرتفع ويعكس زيادة الجرائم كماً ونوعاً وكيفاً، بازدياد انتشار قنوات البث، وأجهزة استقبالها، فهل يبقى نزاع أو شك في أن تلك الأجهزة التي تستقبل البث قد جلبت إلى المجتمع أخطاراً متعددة؟ وهل يليق بعاقل أن يقبل ما يُفرزه وجود تلك الأجهزة من أخطار وأضرار أمام مصلحة أو فائدة يسيرة اسمها: أخبار، أو أسعار العملات والأسهم؟ وهل عُدمت أسباب الاطلاع على تلك الأمور أو الأخبار أو أسعار الأسهم والعملات إلا بطريق تخرب معها البيوت، وتُهدم الأسر، وذلك بهذه الأطباق؟! أيها الأحبة! ليس غريباً ولا عجيباً من رجل ولو في بيته جهاز الاستقبال وآلته أن يغضب وأن ينزعج، ولا يرضى حينما يرى غريباً يكلم أولاده وبناته حتى لو كان ظاهره الصلاح، حتى يعلم ولي البيت الذي في بيته الطبق ماذا يقول هذا الغريب لأولاده، وما نوع الحديث الذي يدور؟ وما مداه؟ وإلى أي قضية يتطرق؟ لكن العجيب المدهش أن ترى هذا الغيور على أهله وبيته يسمح للداخلين بغير استئذان، وهم ضيوف الشاشة من ممثلين ومطربين، وعارضات وراقصات، يسمح لهم بالخلوة مع أولاده الساعات الطوال، بل وفي كل عُصَير ومساء، فهلا تحركت تلك الغيرة لتطرد هؤلاء اللصوص بإبعاد هذا الطبق، أو هذا الدش عن البيوت؟! لقد نادى بعض الغربيين الذين لا يتمسكون بدين صحيح بإبعاد هذا الجهاز، وكتبوا، وحاضروا، وناظروا، مثبتين خطر تلك المستقبلات على عقول الناشئة، ومن ثم على الأسر والمجتمعات.

لقد صرَّحت منظمة اليونسكو، وهي منظمة غربية بأن البث المباشر أدى إلى زعزعة عادات ترجع إلى مئات السنين، وممارسات حضارية كرَّسها الزمن، ولا يريدون أن يقولوا بصريح العبارة: إن البث المباشر قد أفسد على المسلمين دينهم وعبادتهم.