للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صور مما تجني المجتمعات من الدشوش]

ثم حدث ولا حرج -أيها الأخ الغيور- عما يعود به المهزوم الذي سافر إلى تلك البلدان بقصد الخنا والفساد، تحت وطأة تلك الدعايات المفسدة للأخلاق والحياء والعفة! فكر بما يعود به ذلك المهزوم المنحرف الذي قضى وقتاً طويلاً في تلك البلاد، بين جنبات الغانيات, وبين صور الخنا، وبين صور الفساد! يقول المفكر الأمريكي بلومر، في بيان خطورة التلفاز الأمريكي على الأمريكيين، يقول: إن الأفلام التجارية التي تنتشر في العالم تثير الرغبة الجنسية في معظم موضوعاتها، كما أن المراهقات من الفتيات، يتعلمن الآداب الجنسية الضارة من الأفلام.

وقد ثبت للباحثين أن فنون التقبيل والحب والمغازلة والإثارة الجنسية والتدخين يتعلمها الشباب من خلال السينما والتلفاز.

وقام الدكتور ريتشارد الأمريكي، بدراسة مجموعة من الأفلام التي تُعرض على الأطفال عالمياً فوجد أن (٢٩%) تتناول موضوعات جنسية و (٢٧%) تتناول الجرائم و (١٥%) تدور حول الحب الفاسد.

وأنا أقول للذين يضعون الجهاز وطبق الاستقبال: اسألوا أنفسكم: كم نسبة مئوية من مسلسلات أو برامج تربوية، أو هادفة أو بناءة تعرضها تلك القنوات؟ أيها الأحبة! لِمَ نصر ونكابر ونعمد بإصرار على إهلاك أولادنا وبناتنا؟! لِمَ نتعمد طعن قلوب أبنائنا؟ لِمَ نتعمد هتك حياء وعفاف بناتنا؟ لِمَ نصر على بقاء هذه الأجهزة في بيوتنا؟! ألسنا نكد ونكدح من أجلهم، ونجمع المال لننفق عليهم، ونسهر إذا أصابهم مس أو ألم أو مرض؟ لماذا نعارض أنفسنا؟ لماذا نناقض أنفسنا بعد هذا كله؟! ثم بعد أن نعتني بلباسهم وعافيتهم وصحتهم وتعليمهم ندخل مجرماً يطعنهم في وجوههم، ومن خلف أظهرهم.

أيها الأحبة! بِمَ تفسرون تعلق بعض الشباب والشابات -والمراهقين خاصة- بشخصيات أقل ما تستحق عند اللقاء الركل والبُصاق، وأقل ما تستحق عند السماع الاشمئزاز والإعراض من أولئك الذين يسمَّون بالنجوم؟! لا شك أن البث المباشر هو الذي صنع لهم هذه القمم الشمعية التي تذوب عند أدنى حرارة في مواجهة بين الحق والباطل.

إننا أمة لنا تاريخ مجيد، فيه صفحات مشرقة، مملوءة بمواقف حقيقية، وليست كرتونية، وليست مواقف في خدع سينمائية، بل هي مواقف حقيقية؛ فجدير بشبابنا أن يتشبهوا بالقمم السابقة في الحق والجهاد، والبطولة والإباء.

ولكن يا للأسف! لقد استطاع هذا البث أن يرضيهم بالبديل عنها، جعله في الثرى مكان الثريا، والقبر مكان الصدر، والتبعية محل القيادة.

ومن خلال النقل المباشر يتعرف أولئك الشباب على الشخصيات العالمية التي تسمى بارزة في مختلف الأنشطة أو النجومية، ويتأثروا بها غاية التأثير، ويتعلق قلبه بها، ويحاكيها في سلوكياته المنحرفة، فكم تأثر من شباب بالشاذ الذي يسمى: (مارادونا) وكم تأثرت فتاة وفتى بالذي يُسمى: (مايكل جاكسون) في شذوذهم وفي تعاطيهم للمخدرات، وفي رقصهم، وفي عبثهم؟! أليس في القوم رجل رشيد؟! لقد أفسد هذا البث على الأسرة والمجتمع روابطه وأواصره التي كانت متينة في كثير من المجتمعات، فهل ترضى أن يظل هذا البث عندنا أو في بيوتنا حتى يصيبنا ما أصابهم من التمزق والتفكك؟ إن ضعف العلاقات الأسرية، وتضييع حقوق الوالدين والأرحام والجيران، وبروز الأخلاقيات الفردية السيئة من الأنانية وضعف الروح الجماعية، وضعف التعاون والتكافل الاجتماعي، وظهور المشكلات الزوجية، والتأخر في الزواج، وتفشي العزوبة والعنوسة، وتفشي الطلاق، ومحاربة تعدد الزوجات، والتعارف والصداقة، صداقة الفتى بالفتاة قبل الزواج، والتشجيع على ذلك، وتأثر المرأة المسلمة بتقاليد المرأة الغربية من الاهتمام بالأزياء العالمية، والحرص على صرخات وصرعات الموضة، وأنماط حياة الغرب، والإعجاب بعاداتهم، لَمِنَ الأمور التي أفرزها وجود هذه الأجهزة، ووجود هذه المستقبلات، وكل ذلك قد تزايد بنسب عالية بالتزامن مع قدوم الغزو المباشر، عبر تلك القنوات الفضائية.

أيها الأحبة! لقد أصبح مشاهَداً ملحوظاً على كثير أو على بعض المنهزمين ممن يتابعون قنوات البث المباشر أن البث والإعلام القادم قد اختص بنصيب الأسد من ساعات المشاهد، ولا شك أنه يعرض أنماطاً وعقائدَ وقيماً وسلوكاً وتعاملاً وأخلاقاً لا تمت إلى دينه أو مجتمعه أو قيمه بأدنى صلة؛ اللهم إلا العداوة والبغضاء.

لقد أصبح هؤلاء يرون كل بث وإعلام قادم بعين الإعجاب والمتابعة، وأما النافع من إعلام بلادهم والجيد منه فلا يرون له اعتباراً أو قيمة.

نسأل الله أن يردهم إلى الحق رداً جميلاً.

نسأل الله أن يوقظ في قلوبهم جذوة الغيرة، وجذوة الفهم، وجذوة الإدراك لخطر هذه الأجهزة الموجودة في البيوت، وأن يدفع عنا وعنهم العناد والإصرار على المعصية.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب، إنه هو الغفور الرحيم.