للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شبهة والرد عليها]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراًَ إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة في الدين بدعة، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة في الله! قد يقول كثير من الناس، وقد يقول بعض المثقفين، وقد يقول كثير من المتعلمين: ليس كلامك هذا وصراخك ونواحك حلاً جذرياً لمشكلة البث المباشر والقنوات الفضائية، أن تقول للناس: أخرجوه من بيوتكم، بل لا بد من التحدي والمواجهة، وهذا كلام فيه تخليط وتقريب بين الخطأ والباطل، وذلك أن مواجهة الشر لا تكون بقبول الشر، وإنما تكون أولاً برفضه وإبعاده، وتكون بأخذ الوقاية منه والتحذير من شره؛ حتى لا يقع الناس فيه وهم يشعرون أو لا يشعرون، وبعد ذلك التصدي له بجهد نعده ونصدره، لا أن نجعله في بيوتنا، ونجعل أولادنا وبناتنا وزوجاتنا وأطفالنا يتفرجون عليه، ثم نقول: إن مواجهة البث المباشر لا تكون بإخراجه من البيوت.

نعم إن سلامة أبنائنا وزوجاتنا وبناتنا من خطره تكون بإخراج هذه الأجهزة من البيوت أولاً، ثم نتصدى للبث المباشر بإعلام آخر، وبفكر آخر: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:٣٣].

كثيراً ما سمعتُ هذه الكلمة في حوارات ومناقشات وفي جلسات يقول أحدهم لناصح أو لغيور: كلامك هذا فيه عاطفة إسلامية، وفيه غيرة جياشة؛ ولكن لا تظنن -يا أخي- أن الوقاية من خطر البث المباشر تكون بإخراجه من البيت، ثق أولاً، واعلم قبل كل شيء أنك مسئول عن نفسك، ثم من ولاك الله أمره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].

فأول ما نريد منك أن تسلم من خطر البث المباشر في نفسك، وأن تدفع عن أولادك خطره وأن تسلمهم من شره بإذن الله، لا أن تجعله في بيتك، ثم تقول في الأندية والمقالات والمناسبات: لا تكون السلامة من الخطر إلا بفكر آخر، أو بطريق آخر، وهو موجود في بيتك! أبعده أولاً، أخرجه من بيتك أولاً، ثم بعد ذلك نفكر كيف نغزو هذا الإعلام في ذاته.

إن مُكِّن لنا ساعات من البث المباشر نُلقي فيها من المحاضرات والدروس والندوات؛ حتى ولو كانت المحاضرة بين فيلمين ومسلسلين ومشهدين، لا يمتنع أن يكون الخير في وسط يحارب فيه الشر، ولو كان الشر محيطاً به من كل جانب، لا يمنع أن نستأجر ساعات من تلك القنوات لنبث فيها فكراً إسلامياً، ولنفند فيها أباطيل وشبهات، لا يمنع أن تكون عندنا قناة إسلامية لنجعل بثها من أوله إلى آخره لتفنيد ذلك الشر الوافد، والأفكار المسمومة.

أما أن نجعله في بيوتنا، وأن نوزعه في المجالس وغرف النوم على أولادنا وبناتنا، ثم نقول: إن مواجهة الخطر المباشر أو البث المباشر لا تكون بالسب والشتم وإخراجه من المجالس، لا، إخراجه من المجالس يجعلنا في مأمن على أولادنا وفي طمأنينة على بناتنا وزوجاتنا، ثم محاربتُه ولو كانت هذه المحاربة في ذات قنواته، وأنتم تعلمون أن المجتمع الغربي خاصة، وكثيراً من هذه القنوات العربية أيضاً هي تجارية محضة، فلو دفع لها من المال ما يغريها لقبلت أن توجد من بين بثها ومن بين برامجها برامج ربما كانت داحضة ومبطلة لما يبثه أصحاب تلك القنوات، وأصحاب تلك البرامج.

إذاً أيها الأحبة! هذه الحيلة لا تنطلي علينا، فقول البعض: ليس الحل إخراجه من البيت خطأ، بل السلامة والعافية والصحة والنجاة بإذن الله بإخراجه من البيت، هذا فيما يتعلق بشخصك وأبنائك.

وأما فيما يتعلق بعموم الأمة، فذلك بأن نغزو، وأن نجاهد هذا الإعلام، إما بقنوات نصدِّرها ونبث منها، وإما بأن نستأجر من تلك المحطات، أو نشارك فيها بقدر ما استطعنا، فكلمة حق تقذف بالباطل: {بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ} [الأنبياء:١٨] {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً} [الإسراء:٨١].