للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غفلة الناس عن ذكر الله]

الغفلة عظيمة، وحسبنا الغفلة عن ذكر الله، إن كثيراً منا وإن عد نفسه من الأخيار والصالحين لا يذكر الله عز وجل في غالب أحيانه، وإنما نصيب الذكر من أوقاته، ونصيب الذكر من حالاته نصيب قليل، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المنافقون:٩] الخاسر: الذي يغفل عن ذكر الله، المغبون: الذي تضيع أيامه وتضيع لياليه وسنواته وأشهره وساعاته وأوقاته، قد شغل بكل قيل وقال وكل غاد ورائح، وقد شغل بما لا يعنيه إلا ما كان من ذكر الله عز وجل، الذي يهمه وينفعه في الدنيا والآخرة فتراه مشغولاً عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله.

وهل يعجز أحد عن ذكر الله؟ تلكم العبادة التي جعل الله فيها أجوراً كثيرة في جارحة صغيرة بحركة يسيرة، تلكم العبادة العظيمة الجليلة، لا تعجز عن ذكر الله، ولا تعجز المسلمة عن ذكر الله في كل أحوالها، لا يعجز الجميع عن ذكر الله غادين أو رائحين، قائمين أو قاعدين، مضطجعين أو يتحركون، مصبحين أو ممسين، في كل أحوالهم، والله لو كان الذكر بحركات الأيدي لخلعت الأيدي، ولو كان الذكر بحركات الأقدام لكلت عن المشي، لكن الذكر بحركة اللسان، بأصغر جارحة، وبأيسر جارحة، وبأهون حركة في أيسر جارحة، أن تحرك لسانك قائلاً: لا إله إلا الله، سبحان الله، الحمد لله، الله أكبر، أستغفر الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، تستغفر ربك وتدعوه وتناجيه فيكتب لك ذلك.

وفيه من الأجر العظيم ما الله به عليم، تمحى به السيئات، وترفع به الدرجات، وتحيا به القلوب، ويكون حرزاً لك من الشيطان، لا يصيبك مس، لا يصيبك سحر، لا تصيبك عين، ولا أذى: (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، مائة مرة كان كمن أعتق عشرة من ولد إسماعيل، وكتبت له مائة حسنة، ومحيت عنه مائة خطيئة، وكانت حرزاً له من الشيطان سائر يومه ذلك) بنقل جبال؟ بنقل بحار؟ بمشي أميال؟ بصدقة أوزان الجبال من الأموال؟ لا، حركة يسيرة على جارحة صغيرة، بهذا اللسان الذي لو جعلنا آلة تحصي حركاته وتحصي كلماته وتحصي حروفه لوجدنا أننا تكلمنا ملايين الكلمات أو مليارات الكلمات، ولو أحصينا ما نطقنا به من ذكر الله وطاعة الله وتسبيح الله وتهليله وتحميده وتكبيره لوجدنا أقل القليل من ذلك ما كان في ذكر الله عز وجل.

يقول ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب: الذكر أصل موالاة الله عز وجل ورأسها، والغفلة أصل معاداة الله ورأسها، فإن العبد لا يزال يذكر ربه عز وجل حتى يحبه الله فيواليه، ولا يزال العبد في غفلة عن ربه حتى يبغضه الله فيعاديه.

فيا حسرة الغافلين عن ذكر الله! يا حسرة الغافلين بالملاهي! ويا حسرة الغافلين بالأغاني! ويا حسرة الغافلين بالأفلام! ويا حسرة الغافلين والغافلات بالمسلسلات في القنوات الفضائية عبر الدشوش وغيرها! إن بعض المسلمين -هداهم الله- منذ أن يصبحوا إلى أن يمسوا وهم في غفلة، وهم في لهو عن ذكر الله عز وجل، البيت مملوء باللهو، والسيارة مشغولة باللهو، والمجالس مشغولة باللهو، فأخبروني بالله عليكم متى يتذكر أولئك؟ إذا بلغت الروح الحلقوم متى يتذكر ذلك؟ إذا حلت المنية متى يتذكر أولئك؟ إذا عجز عن الذكر وأصبح مقهوراً عاجزاً حاسراً بعد أن كان قادراً،

أحسن إذا كان إمكان ومقدرة فلا يدوم على الإحسان إمكان