للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الغفلة خسارة عظيمة]

أين نحن ممن أوصاهم النبي صلى الله عليه وسلم وحذرهم من الغفلة كما أخبر صلى الله عليه وسلم في وصيته لـ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لما أخذ الحبيب بمنكبه فقال له: (كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) وكان ابن عمر يقول: [إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك] لقد غبنا، إننا نخسر خسراناً مبيناً ونخسر خسراناً عظيماً، والله لو أن الواحد إذا جاء يستلم راتبه أو يستلم أجرته أو يستلم ما يتقاضاه من أجر على عمل أنقص له من أجره وراتبه شيء لجحظت عيناه، وشخص بصره، واشرأب عنقه، واشتد حنقه، وانتفخت أوداجه، واحمر وجهه غضباً على ما نقص من حطام الدنيا من أجر أو متاع قليل، ولكننا نخسر خسارة عظيمة، صفقات خطيرة تضيع منا ونخرج متضاحكين، ونخرج ساهين، ونخرج لاهين، لقد استحكمت فينا الغفلة حتى إننا لنغبن غبناً واضحاً ثم لا ندري ما الذي حل بنا.

أي غبن وأي صفقات نخسرها من الصحة والعافية ومن الفراغ؟ يضيع منا الكثير منه في غير طاعة الله عز وجل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ) رواه البخاري.

أرأيتم صحيحاً سخر عافيته وجلده وقوته ونشاطه لطاعة الله سبحانه وتعالى أيعد مغبوناً؟ لا وايم الله، ولكن الكثيرين من الأقوياء يسهرون ويتعبون، ويجعلون أوقاتاً مخصصة محددة بكل دقة لتخفيف الوزن ولرفع الأثقال، ولكمال الأجسام، ولبلوغ الأرقام القياسية في تنمية عضلات الزند وعضلات الفخذ وتقوس الظهر وعضلات البطن وعضلات الصدر، وينفقون على ذلك أموالاً وأوقاتاً ولا يذكرون الله فيها، ومع ذلك لا يرى أنه ضيع شيئاً، هذه العافية بدلاً من أن تكون في طول القيام وطول القنوت وطول الخشوع وطول التذلل والانكسار لله عز وجل، الجلد، الحيوية، القوة، الشباب ما صرفت في صيام النهار، وما صرفت في قيام الليل، وما صرفت في قضاء الحوائج، ولا في شفاعة للمسلمين، ولا في إغاثة للملهوفين، ولا إعانة للمحتاجين، ولا كفالة للأيتام، ولا إعالة للأرامل، ولا قيام على المساكين في ماذا؟ كثير من الشباب جعلها في العدو والركض والسباق، وكمال الأجسام وحمل الأثقال والسير على الجهاز والعدو على الدراجة الواقفة وغير ذلك.

إننا لا نحرم أن تنمي بدنك، وأن تعتني بصحتك، وأن تتعاهد قوتك، ولكن انظر الفرق العظيم والبون الشاسع بين ما تجعله لبدنك، وما تجعله لطاعة ربك:

يا خادم الجسم كم تسعى لراحته ضيعت عمرك فيما فيه خسران

أقبل على الروح فاستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

إن كانت النفس والقلب وإن كان الفؤاد والعقل يحمل هماً في طاعة الله ومرضاته، والاشتغال بعبادته والخوف من عذابه فتلك والله نفس إنسان، وإن كانت نفساً لا هم لها إلا الأكل والشرب والنكاح والنوم فتلك نفس بهيمة إذ البهائم تشاركه في هذا.