للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أهمية حضور المجالس الإيمانية والتأثر بها]

ما أكثر الذين نرى حضورهم في كل المناسبات الاجتماعية واللقاءات الدورية وغيرها، لكن بعضهم حضوره لمجتمع الإيمان وطاعة الرحمن وحلق الذكر لا يكون إلا قليلاً أو نادراً، وبعضهم لا يحضر مثل هذه المجالس البتة، ولذلك بعض العصاة الذين من الله عليهم بالتوبة، الذين أشرقت قلوبهم بنور الهداية يقول أحدهم: والله كانت الهداية وكانت الاستجابة وكان الرجوع وكانت الإنابة في أول مجلس حضرته من مجالس الذكر ورياض الجنة وحلق الذكر.

كان في غفلة وفي بعد عن مجالس الإيمان.

ولذلك -أيها الأحبة- نحن في حاجة أن نستمع إلى هذه المواعظ، وأن نستمع إلى هذه الدروس، وأن نستمع إلى هذه الكلمات منا أو من غيرنا، إني لأعجب من علماء أجلاء والله لا يشق لهم غبار في قيام الليل، وفي الصدقة، وفي الجهاد، وفي الدعوة، وفي التعليم، فإذا جلس أحدهم يسمع موعظة من طفل صغير أو من واحد من طلاب طلابه وجدته يهز رأسه، وجدته يتأثر وربما سمعت له نشيجاً وبكاءً، إنه يعلم مهما بلغ علمه ومهما ارتفعت في مراتب الدين درجته وسمت؛ فإنه يعلم أن لا غنى له عن الذكرى، إن بعض الشباب يقول: هل من قضية فكرية؟ هل من قضية سياسية؟ هل من قضية اجتماعية؟ هل من قضية إعلامية؟ أما المواعظ والكلام عن الغفلة، عن الجنة، عن النار، عن الموت، عن الصراط، عن الأهوال فاصرفوها لغيرنا، تحدثوا بها مع غيرنا، نحن شباب لا نريد أن نسمع إلا عن الأطروحات السياسية، المستقبل العالمي، القضايا المعاصرة، أل أل الخ، نحن ما حرمنا وما أنكرنا عليك هذا الاهتمام ولكن ثق أن انشغالك بهذه القضايا وابتعادك عن مجالس التذكير والمحاسبة والمعاتبة والمصارحة ليقف كل واحد منا موقفاً صريحاً مع نفسه، ولينظر حقيقة ما قدمه بين يديه يوم أن يلقى الله عز وجل، إذا لقيت الله سبحانه وتعالى وأنت سياسي حاذق وإعلامي متفنن واجتماعي متمكن، لكن لست من أهل عناية بالطاعة، ولا اهتمام بمتابعة النبي صلى الله عليه وسلم وحرص على السنة، أينفعك ذلك؟ إن الناس ينفعهم أن يردوا إلى طاعة الله، وأن يخوفوا بالله، وأن يذكروا بعذاب الله وعقابه، وأن يشوقوا إلى جنته، وأن يرغبوا في رحمته، ولا بأس أن يأتي ما يأتي بعد ذلك تباعاً من الوعي السياسي والاقتصادي والإعلامي والتربوي وغير ذلك، أما أن نظن أن الناس لا حاجة لهم إلا في هذه القضايا، وما الفائدة من وعي سياسي مع صاحب سيجارة ثم بعد ذلك تنتهي السيجارة ويضطجع على جنبه، وإن أعجب بهذا الطرح لكنه لم يتحرك من مكانه إلى المسجد، لكنه لم يقلع عن الربا، لكنه لم يقلع عن الدعوة إلى الاختلاط، لكنه لم يقلع عن أفكار خبيثة رديئة.

إن الفلاح والنجاح في رد الناس إلى طاعة الله ومرضاته، في تعبيد الناس لله، في أن يكون في قلوب الناس لله وقار: {مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:١٣] أول وأعظم وأجل وأكبر نجاح في أمر الدعوة أن تتحول القلوب القاسية، الصماء، إلى قلوب لينة تخشع وتهتز وتضطرب حينما تسمع كلام الله، تذكر الله خالياً فتفيض الأعين بالدمع، تسابق إلى الجماعات، تنافس في الطاعات: (ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات: إسباغ الوضوء على المكاره، وكثرة الخطى إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط).

فيا أحبابنا! لم لا ننتبه إلى حقيقة مهمة ينبغي لنا أن نعتني بها غاية العناية؟ أقول: ما أكثر الذين نراهم يحضرون مناسبات عديدة، لكن مناسبات كهذه، ورياض جنان كهذه، وحلق ذكر كهذه، ودروس علمية تراهم لا يحضرونها ولا يشهدونها، ذاك لا يصلي مع الجماعة، ولا يأتي الجمعة إلا دباراً، وهذا لا يحب الدروس العلمية، وذاك لا يفضل حلق الذكر، وآخر لا يلتفت إلى محاضرات أو ندوات لا حضوراً ولا استماعاً، لكنهم يجلسون مجالس القيل والقال، والبيع والشراء، ارتفعت الأسهم، انخفضت الأسهم، زادت البرصة، انخفض الين، ارتفع المارك، سقط الدولار، هلك الجنيه هكذا كلامهم، وهذه مجالسهم، ولو سألتهم عن ذكر الله! لا حرج أن تبيعوا وتشتروا، لا حرج أن تتاجروا فيما أباح الله، ولكن أكل المجالس هكذا؟ أكل الأوقات هكذا؟ أكل الساعات هكذا؟ لا يوجد ذكر لله؟ لا ترطب الألسنة والقلوب بذكر الله عز وجل؟ لا، مجالس الإيمان، حلق الذكر لا يحضرونها البتة.

ثم بعد ذلك إذا قلت له: لا تكن من الغافلين.

قال: أنا من الغافلين؟! سبحان الله العظيم! لا يشهدون الجمعة ولا الجماعة ولا يذكرون الله إلا قليلاً، ولا يأتون الجمعة إلا دباراً، وفي غفلة عظيمة ومع ذلك ينكر أحدهم أن يكون من الغافلين!! {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:٣].