للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نتيجة الغفلة وثمرة الطاعة]

أيها الأحبة! لقد قست القلوب من فضول النظر، ومن فضول الكلام والمخالطة، وقست القلوب واستحكمت الغفلة مع هذا بإفراط في الشهوات، وإفراط في الملذات والمباحات، فماذا حصل بعد ذلك؟ حصلت قسوة القلب فأورثت اكتئاباً وقلقاً وشروداً وأمراضاً نفسية، يقول لي طبيب استشاري من أطباء الأمراض النفسية يقول: يأتي إلي شباب قد بلغ بهم مرض الاكتئاب -يسمونه ديبرسيشن- قد بلغ الاكتئاب بهم إلى درجة أن بعضهم مرات ومرات حاول أن ينتحر غفلة لم تجد طريقاً أو لم يفتح عليها من الوعظ والإرشاد والإصلاح والتوجيه طريق، غفلة مسورة بأسوار الشهوات والمعاصي وجلساء السوء، ولا يزال يمضي ويمضي حتى إذا خلا بنفسه تمنى أن ينتحر.

لكن انظر إلى أصحاب الطاعة: الدنيا زاوية من زوايا قلوبهم، تجد الدنيا كلها يدخلها في زاوية من قلبه، لا أعني أنه يتعلق بها بل الدنيا صغيرة في قلبه، لكن أصحاب المعاصي والإصرار عليها والعناد والمكابرة؛ أتفه قضية تجعل الدنيا علامة إكس في وجهه ينتحر من أجلها، يحاول أن يتخلص من نفسه عند أدنى مشكلة، لكن انظر إلى أهل الإيمان وطاعة الرحمن:

ترددت في الأهوال حتى تركتها تقول أمات الموت أم ذعر الذعر

مصيبة تلو المصائب، تكسر النصال على النصال، ومع ذلك لا يزال رابط الجأش، ثابت الجنان، أشم كالجبل، كالطود العظيم من شدة ثقته بالله عز وجل، ما هذه الدنيا بالنسبة لما يرى؟ أما أهل المعاصي الذين يعودون ويئوبون ويتوبون ويرجعون فحيهلا على باب التوبة، وحي على الإنابة والرجوع، أما أهل المعاصي المصرون على هذه المعاصي، المعرضون عن ذكر الله وطاعته فيا ويح عيشهم! وما أبأس حالهم! {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٤] لما استحكمت الغفلة شاع ما شاع وانتشر ما انتشر في كثير من الناس: أنواع القلق والاضطراب والاكتئاب، وضيق النفس، والأمراض النفسية، ولو تأملوا وعرفوا أن مرضهم وعلتهم وداءهم هو الغفلة، وعالجوه بذكر الله واليقظة والرجوع لوجدوا أنساً بالله، ولذة وسعادة بذكر الله عز وجل: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:٢٨].