للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تذكر الخاتمة علاج للغفلة]

أيها الأحبة: تزول الغفلة بتذكر الخاتمة، عش ما شئت فإنك ميت، يقول أبو الدرداء لما حضرته الوفاة: من يعمل لمثل يومي هذا؟ من يعمل لساعتي هذه؟ من يعمل لمثل مضجعي هذا؟ ثم تلا قول الله: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:١١٠] مر ابن الجوزي مرة بقصر من قصور الأثرياء فقال وهو يخاطب صاحب القصر الذي كان جالساً في شرفة من شرفات القصر، فقال ابن الجوزي له:

ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك الردى داراً بدارك

وتترك ما غنيت به زماناً وتنقل من غناك إلى افتقارك

فدود القبر في عينيك ترعى وترعى عين غيرك في ديارك

إذا أردنا أن تنجلي هذه الغفلة فلنتذكر أننا راحلون، كم جنازة صلينا عليها تذكر أنك يوماً من الأيام واحدة من الجنائز التي يصلى عليها، زر المقابر وتأمل أحوال هذه المقابر:

أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر

وأين المدل بسلطانه وأين الغني إذا ما افتقر

أين الملوك ذوي التيجان من إرم وأين ما ساسه في الفرس ساسان

أتى على الكل أمر لا مرد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

زر قبر الرئيس وقبر الزعيم، وقبر الأمير وقبر الوزير، وقبر الملك، وقبر الثري وقبر الفقير؛ كلها بجوار بعضها، أين الحجاب، وأين البواب، وأين الاستئذان، وأين البرتوكول، وأين المواعيد؟ انتهى الأمر: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام:٩٤] هذا هو المرد وهذه هي النهاية، فمن تذكر ذلك حتى وإن ركب ما ركب وسكن ما سكن وجمع ما جمع فإنه بإذن الله عز وجل يعود منكسراً إلى الله: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:٨] لذا أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بزيارة القبور لأنها تذكر الآخرة، بل (لما جيء بجنازة وجلس صلى الله عليه وسلم على شفير القبر بكى حتى بل الثرى، ثم قال صلى الله عليه وسلم: يا إخواني لمثل هذا فأعدوا) رواه ابن ماجة وغيره.

فليتفكر العبد في هذا، وليعلم أنه لا يعالجه من هذه الغفلة إلا أن يكسر ويحطم قسوة قلبه بأن يرى الأموات يغسلون، ويرى الأموات يكفنون، ويقف عند المقابر، ويزور المرضى، وينظر أحوال أصحاب العاهات الذين سلبت منهم العافية بين لحظة ولحظة ليعرف حاله وأن ما أصابهم ليس ببعيد أن يصيبه.

هكذا -أيها الأحبة- ينبغي أن ننتبه وأن نحذر من هذه الغفلة، ومن لازم ذكر الله عز وجل فهو في خير وعلى خير بإذن الله سبحانه وتعالى.