للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجنة تنال بالمجاهدة]

نحن خلقنا لعبادة الله، ووعدنا بجنات الله، وبشرنا برضوان الله، ودعينا إلى خلودٍ في دارٍ أعدها الله، فلما بقينا على ظهر هذه الدنيا واستوينا واستتمت لنا العقول، واكتملت لنا الأفئدة، وأصبحنا نبصر بالبصيرة وندرك بالتجربة؛ اشتغل الكثير منا بمتاع الدنيا وحطامها الفاني، فاشتغلنا بحفنةٍ من الرمال عن جنةٍ عرضها السماوات والأرض، واشتغلنا بلذةٍ زائلة، واشتغلنا بأمرٍ يزول وينتهي وتعقبه الندامة والحسرة عن نعيم لا ينقطع أبداً، لأجل ذلك قال صلى الله عليه وسلم: (اغتنم) والغنائم لا تكون إلا بعد الجهاد ولا تكون إلا بعد الصبر والمصابرة، ولا تكون إلا بعد الرباط، وبعد التواصي، فمن حصل ذلك نال -بإذن الله- هذه الغنائم على أوفر حظٍ يطلبه، ومن اشتغل عنها بسواها من حطام الدنيا وقليلها الفاني فقد ضيع الغنيمة ونالها رجالها وأبطالها:

يا سلعة الرحمن لست رخيصةً بل أنت غالية على الكسلان

يا سلعة الرحمن ليس ينالها في الألف إلا واحدٌ لا اثنان

يا سعلة الرحمن سوقك كاسدٌ فلقد عرضت بأيسر الأثمان

يا سلعة الرحمن كيف تصبرالـ ـخطاب عنك وهم ذوو إيمان

أيها الأحبة في الله: من لم يجاهد فلن ينال غنيمة نريد الغنيمة بالنوم على الفرش؟!! نريد الغنيمة بالاشتغال بالدنيا على الآخرة، نريد الغنيمة بتقديم شهوات أنفسنا على ما رضيه الله لنا وما طلبه منا، وما شرعه نبيه صلى الله عليه وسلم لنا؟! الغنيمة لا تنال إلا بالصبر، ولا تنال إلا بالمجاهدة، أما الذي يعلل النفس أو يتعلل بسوف ولعل وربما وليس ولو أنه فلا يستطيع أن ينال شيئاً، وكما قال القائل:

أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

الواقع أن التمني هو رأس أموال المفاليس، أما الأثرياء بالحسنات، والتجار بالصالحات، والمتنافسون بالطاعات، فأولئك جعلوا مهرهم أن أعرضوا عما يسخط الله، وأقبلوا على ما يرضي الله جل وعلا، وأنتم -معاشر الأخوة السامعين- فيكم خيرٌ كثير ولكن اسألوا أنفسكم: هل تريدون الغنائم أم تعرضون عنها؟.

ثم أيضاً: الخطاب من النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اغتنم) فإنه خطابٌ للسامع، والشارع يخاطبنا إلى يوم القيامة؛ فالمرأة مدعوةٌ للغنيمة، والرجل مدعو إليها، والذكر مدعو للغنيمة، والأنثى مدعوةٌ إليها، والشاب مدعو للغنيمة والفتاة أيضاً، فلا يظن سامعٌ أن هذه دعوةٌ أن يغتنم الرجال هذا الخير دون النساء، أو أن يغتنم الذكور دون الإناث، أو يغتنم الشباب دون الشابات، فهي غنيمة وربما كان حظ كثيرٍ من النساء أطيب وأكثر وأبلغ من حظ كثيرٍ من الرجال

ولو كان النساء كمثل هذه لفضلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيب وما التذكير فخرٌ للهلال

إذاً: فهي دعوةٌ أن يغتنم الرجال والنساء هذه الخيرات على حدٍ سواء.