للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العصاة يدعون الوسطية]

أيها الأحبة: إن هذه الحياة وهذه الصحة إذا لم تستغل في طاعة الله فلا شك أنها ماضيةٌ في معصية الله، وإن كثيراً من الناس قد وسوس له الشيطان بقوله: لا تكن فاجراً زانياً خبيثاً مروجاً للمخدرات، ولا تكن مطوعاً متشدداً معقداً تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وإنما كن وسطاً؛ بمعنى: صل كما يصلي الناس ولا تتشدد على أولادك، وإن فاتتك الفجر فلا بأس، وإن جعلت المنبه قبل الدوام بنصف ساعة فلا بأس، وإن سمعت أغنية فلا بأس، وإن دعيت لتكتتب في أسهم بنك من البنوك فغاية الأمر سهمان أو ثلاثة فلا بأس، وإن دعيت إلى كذا فلا بأس؛ المهم ألا تكون مطوعاً معقداً متشدداً كما يريد هؤلاء الدعاة، ولا تكن متساهلاً مروجاً للمخدرات مسافراً لتلك البلدان التي يفعل بها الزنا، اجعل نفسك وسطاً.

وإني أعجب وأقول: إذا كان هذا يعد نفسه وسطاً فما هي وسطية النبي صلى الله عليه وسلم، إذا كان هذا الذي يتساهل ويضيع ويسمع ويداهن ويترك الأمر بالمعروف، ويرى المنكر ويسكت، ويرى أهله أو إخوانه أو أهل بيته على معصية ويقول: أنا لست متشدداً، إذا وصلت المسألة الزنا تكلمت، أما مادام لم تصل الزنا فأنا ساكت، لا تكن متشدداً اجعل نفسك وسطاً، إذا كنت وسطاً فماذا يكون أبو بكر الصديق؟ ماذا يكون عمر بن الخطاب؟ ماذا يكون عبد الرحمن بن عوف وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان؟ ماذا يكون المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال: (أتعجبون من غيرة سعد؟! إني لأغير من سعد، وإن الله لأغير مني، وإن غيرة الله أن يأتي العبد ما حرم الله عليه) وفتاةٌ أخرى تقول: لا أريد أن أكون متشددة معقدةً مطوعةً متخلفةً، إذا خرجت لبست القفاز ولبست عباءةً صفيقةً غير شفافة، ولبست ثياباً واسعة لا تحجم بدني ولا تصف جسمي، ولا أتكلم مع الباعة أو أكاسرهم أو أماكسهم وإذا أردت أن أخرج لا أتطيب، أنا لا أريد أن أكون متشددةً هكذا، ولا أريد أن أكون منحرفةً زانيةً أو مضيفةً لكن لا بأس أن أخرج إلى الشارع ويداي ظاهرتان، وشيءٌ من الساق قد بدا بما شق من الثوب من أسفله، ولو ظهر شيءٌ من النحر فلا حرج، وإن كان الغطاء خفيفاً فلن أبصر الطريق كما ينبغي، ولو تكلم رجلٌ في الهاتف تحدثت معه حديثاً لا بأس به، وأخذت وأعطيت ولو من باب التعرف، أو من باب قضاء الوقت؛ أنا لا أريد أن أكون زانيةً أو مضيفةً على الطائرة، ولا أريد أن أكون متشددةً متحجبةً ملتزمة، أريد أن أكون وسطا.

يا أمة الله! يا بنت المسلمين! إذا كنت تدعين الوسطية بهذا فماذا تكون فاطمة رضي الله عنها، وماذا تكون عائشة رضي الله عنها، أصبح العصاة يدعون الوسطية، فإذاً ماذا يسمى أهل الطاعة، وأهل العبادة؟ هذا أمرٌ عجيبٌ جدا!