للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعم الله علينا تترى]

أيها الأحبة: والله لقد اجتمعت لنا نعم ما اجتمعت لغيرنا، نحن الآن على قيد الحياة، هل في المسجد أحد ينازع سكرات الموت لا يدري هل ينطق الشهادة أو لا؟ نحن الآن نتقلب في نعمة الحياة، هل فينا مريضٌ مرضا ًيقعد به على فراشٍ لا يستطيع أن يقضي حاجته بنفسه؟ من الناس من يكون عنده مرض بسيط (ربو أو سكر خفيف) أو أي مرض من الأمراض، لكن فرق بين من يمشي بعلته وبين من أقعدته علته على فراشه، شتان بين هذا وهذا، من الناس من يقول: والله أنت تتكلم عن الصحة وأنا مريض ما أمشي إلا ومعي ما يفتح التنفس، أو لا أمشي إلا ومعي حبوب السكر والضغط، أو لا أمشي إلا ومعي، يا أخي الكريم! حتى ولو كانت ما يدريك أن الله جل وعلا ابتلاك بهذا السكر أو بهذا الربو أو بهذا الأمر الذي تعاني منه من أجل أن يستمر تكفير سيئاتك، من أجل أن تنتهي هذه السيئات قال صلى الله عليه وسلم: (ما يصيب المؤمن من همٍ ولا غمٍ ولا نصب ولا وصبٍ؛ حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بذلك من خطاياه).

إذاً: أنت في صحة؛ لكن السقيم الذي تراه الآن في المستشفى؛ جهاز البول يمتد إلى أنبوب لا يستطيع أن يتحكم فيه، ومثله الغائط ومثله التنفس، وبعضهم يفتح له في رقبته فتحة حتى يصل الطعام إلى المريء، لأنه لا يستطيع أن يبلع ذلك؛ فأنت الآن في عافية وأنت في فراغ؛ عندك فراغ يا أخي؛ نعم عندك دوام من الصباح من الساعة السابعة إلى الساعة واحدة أو اثنتين، لكن ما هو شغلك؟ تحمل طوباً، أو تحمل أكياس رمل، أو تحت السيارات، أو ترفع أثقالاً؟ أبداً؛ على كرسي دوار وعلى مكتب، أو تشرح لطلاب وفي مكان مكيف، أو في حانوت وآمن ومطمئن ولست تخشى شيئاً أو تخاف شيئاً.

(وشبابك قبل هرمك) أنت الآن قادر تستطيع أن تذهب إلى المحاضرة، وتمشي إلى المسجد، وتستمع الخطبة وتنصت إلى كلام الله وتناقش بعقلك، هل أنت على حقٍ أم على باطل؟ هل أنت في رضى الله أو في معصيته وأنت في غنى؟ لست فقيراً تخاف أن تموت جوعاً، من الناس وللأسف من فقره في قلبه ويده.

منذ مدةٍ جاءني في المسجد رجل وعليه علامات النعمة، يعني: لا بأس به، فقال: أريدك أن تساعدني، قلت: والله يا أخي الكريم أنت تعلم أننا نساعد المحتاجين نتكلم في جماعة المسجد ونقول: يا إخواني! جزاكم الله خيراً ساعدوا محتاجين منكوبين في البوسنة والهرسك، ساعدوا الذين يموتون جوعاً في الصومال، ساعدوا المعوقين والأرامل في أفغانستان، ساعدوا المجاهدين في الفليبين، ساعدوا رجلاً معوقاً في مستشفى النقاهة هو الذي يصرف على أولاده أصابته إعاقةٌ وشلل دائم يعني: اجمعوا له مالاً واصرفوه على أولاده.

لكن -يا أخي الكريم- أنت والله ليس وراءك نصراني يلحقك يذبحك كما يفعل الصرب بالمسلمين في البوسنة والهرسك، ولست الآن تموت جوعاً، قال: والله إني بعض الأيام لا أجد ما آكل، قلت: لو تقف عند زبالة شبعت؛ لو تقف عند زبالة من زبائل المطاعم شبعت، ما تستحي؟ أنت في نعمة وفي عافية وفي خير، ثيابك جميلة، وصحتك جميلة، وفي غنى، وفي نعمة، وفي أمن، وراءك صربي أو نصراني يلقي عليك النار بالرشاش؟ قال: لا.

قلت: أتموت جوعاً أو واحد من عيالك الآن هيكل عظمي يموت جوعاً؟ قال: لا.

قلت: عريان ما عليك ما يكسوك؟ قال: لا.

قلت: ما تتقي الله عندما تقول: أنا أحوج من هؤلاء؟ ما تخشى الله جل وعلا عندما تقول: أنا أحوج من الذين في البوسنة والهرسك، وأنا أحوج من الذين في الصومال؟ أين غنى القلب؟ (من يستعفف يعفه الله، ومن يتصبر يصبره الله، ومن يستغن يغنه الله جل وعلا).

فالحاصل أننا -أيها الأخوة- في نعم، ولا يغرك بعض الناس ويقول لك: انظر إلى فلان وانظر إلى علان، وأنت المسكين ليس عندك شيء، لا.

أنت في نعمةٍ عظيمة، من قال: أنا فقير ليقف الآن أمامي وأقول له: تبيعني عينك بمليون؟ تبيعنا أذنك بمليون؟ تبيعنا لسانك بمليون؟ تبيعنا واحدة من الكلى بمليون؟ تبيع قلبك بمليون؟ أنت تملك ما يقارب ملايين!! كل جارحة من جوارحك لو قيل لك نشتريها بالملايين رفضت وأبيت، فتقول أنا فقير وأنت تملك هذا كله.

أقول أيها الأحبة: إن الواحد منا يملك الشيء الكثير، ولكن الشيطان يغرر بالإنسان ويوسوس له، ويضعف قدرات نفسه أمامه، حتى يجعله عبداً لشهواته، وعبداً لوسوسة قرينه من شياطين الإنس، وقرينه من شياطين الجن الذين: {يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام:١١٢].

والآن أيها الأحبة: أما آن لنا أن نغتنم؟ أما آن لنا أن نستفيد مما نحن فيه مادمنا على القدرة؟ فلنبادر قبل أن نكون عاجزين، ولعل من الناس من يقول: لا بأس ولكن أمامنا شبابٌ لا بد أن نتلذذ به، وأمامنا فرصةٌ من الحياة لا بد أن نتمتع بها، فبماذا تتمتع؟ تتمتع بمعصية الله أو تقول: ليس هذا أوان الطلب، وليس هذا زمان الاجتهاد، أو تسوف فيما بعد، وتؤجل إلى ما بعد، فما يدريك أن الموت يفاجئك؟

إذا كان يؤذيك حر المصيف ويبس الخريف وبرد الشتا

ويلهيك حسن زمان الربيع فأخذك للعلم قل لي متى