للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أعظم الغنائم]

السؤال

هذا سائل يقول: فضيلة الشيخ! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أخبرك بأني أحبك في الله وسؤالي: ما هي أكبر الغنائم التي ضيعت في هذا الزمان؟

الجواب

أعظم غنيمةً يحصلها العبد هو أنه مؤمنٌ بالله ولد بين المسلمين وعاش في مجتمع مسلم، إذ أن كثيراً كما قال الله جل وعلا عنهم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ} [محمد:١٢] فأعظم نعمة هي نعمة الإسلام ونعمة الإيمان، فمن تساهل بهذه النعمة ولم ينمها، ولم يرفع درجة إيمانه ويترقى في مدارج السالكين وطرق السائرين في منازل إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، أعني: الواحد لا ينبغي أن يكون هكذا، تجد شاباً يتساهل في الصلاة، ويسمع الغناء، ويرتكب بعض المعاصي ويستمر عشرين خمسة وعشرين ثلاثين خمسة وثلاثين وهو هكذا لم يتغير، الأصل أن المسلم إذ زل الزلة فهي حال استغناء أما الأصل فهو استقامته على طاعة الله، وإن زل تاب من الزلة: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) [هود:١١٤] ثم بعد ذلك يترقى في الإسلام والإيمان والإحسان واليقين ودرجاتٍ تقربه إلى رب العالمين.

أما أعظم نعمةٍ أرى كثيراً من الناس ضيعها فهي كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أوتي جوامع الكلم، ولن يكون أفصح وأبلغ منه، فانظر إلى حال هذه المسائل الخمس: الحياة قبل الموت، الصحة قبل السقم، والفراغ قبل الشغل، والشباب قبل الهرم، والغنى قبل الفقر.

أكثر الناس قد ضيع حياته ولم يأخذ منها ولم يستعد لموته، وكثيرٌ ضيع صحته وصرفها فيما لا ينفعه، انظروا مثالاً على ذلك: بعض الشباب الذين يتدربون في الصالة الرياضية، ويتدرب في كمال الأجسام ويتدرب في كذا تعد هذا الجسم لماذا؟ هل تدرب رجلك على طول التهجد والقيام في الليل؟ هل تدرب نفسك على حمل السلاح في الجهاد سبيل الله؟ هل تدرب نفسك على أمرٍ ينفعك؟ من الشباب من تدرب فرفع مائتين كيلو وزن أثقال، ثم نزل مائتين كيلو ورفع مائتين كيلو وصفق له الحاضرون وخرج من الملعب وماذا بعد ذلك؟ صحةٌ لم تستغل في طاعة الله، وحياةٌ ما نفعت صاحبها؛ لأن الواحد يندم يوم أن يكون بينه ويبن الموت شعرة، فيندم على ما مضى ويندم على ما فات ويندم إذا حل به المرض ويقول: آه يا ليتني أطعت الله! يا ليتني تخلصت مما عندي! بل إن بعض الشباب نسأل الله أن يتوب علينا وعليهم وأن يتجاوز عنا وعنهم ربما مات ووراءه من المعاصي ما وراءه.

شابٌ أعرفه جيداً جاءني ذات ليلة ووجهه متغير، وخاطره متكدر قلت له: يا سليمان! ما الذي بك؟ ما شأنك؟ قال: فلان ابن فلان من أقاربي لتوه جاء من مكان كذا وأعطي بيتاً في كذا حصل له حريقٌ فمات على إثره، ولما دخلنا لنقلب تركته وجدنا كذا شريط فيديو، وكذا شريط أغاني، وكذا مجلة.

يا أحبابنا! لو مات الواحد منا هذه الليلة؛ أشهد أن هذا اليوم صلاة الظهر صلينا في مسجد سارة على امرأةٍ هي قريبةٌ؛ لي أسأل الله أن يعفو عنا وعنها وأن يتجاوز عنا وعنها سألت ولدها: متى ماتت؟ قال: ماتت الصباح، كيف حدث ذلك؟ قال: كانت عندها جارةٌ من جاراتنا وهي تشرب الشاي هكذا ثم أصابها أمر أقل من التشنج ثم تقيأت قليلاً وجاءت ابنتها وأسندتها على صدرها، وجاء الطبيب قال: هذه ماتت، مع أنها مصبحة مع الناس ما فيها شيء، تقول هذا يقودها إلى الموت، فالموت قريب {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ} [الواقعة:٨٥].

ولا تشعرون.

يا أحباب: الواحد يستعد، فلو أن ملك الموت استأذن في هذا المسجد ليقبض روح واحد من الحاضرين، أو ليقبض عدداً منهم: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس:٤٩] هل فينا من يستعد للقاء الله؟ والله لو قيل لأحد الشباب: إن ساعة موتك قد حانت الآن قال: هاه طلعوا الأفلام الذي تحت الدولاب، والمجلات التي فوق الماسة أبعدوها أحرقوها أتلفوها وصل الموت وأحاسب عليها، وأعذب بها، لا يراها أحد بعدي، ثم آخذ وزره، فتوقع أن يأتيك الموت في أي لحظة وبماذا تستعد، ولذلك أحد السلف من صلاحه وورعه يقال عنه: لو قيل له إن ملك الموت سيأتيك الآن لما زاد في عمله شيئاً.

هكذا يستعد المسلم لطاعة الله سبحانه وتعالى، اجعل بيتك خالياً من آلات اللهو والمعاصي والأفلام والأشرطة، الطرب واللهو، لا تجعل السيئات تتراكم عليك بتساهلك بالصلاة مع الجماعة، لا تجعل صحائفك تسود بالذنوب والمعاصي بمجالس اللهو والغيبة والنميمة وفلان وعلان، لا تجعل أقدامك ويدك تشهد عليك بما اقترفت وبطشت من المحرمات، هذا هو استعدادك في طاعة الله، ثم امض حيث شئت في تجارة وزراعة وصناعة المهم ما دمت لم ترتكب محرماً في طريق.