للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التحذير من الضمان دون تحرٍ

كثير من الناس حينما يقع صديقٌ له في عُسرٍ، أو في بليةٍ من جراء مالٍ لم يستطع سداده، أو من جراء عملٍ لم يستطع إنتاجه أو تقديمه، جاء شهماً مبادراً ليضمن عنه أو ليكفله من دون أي تحديد لقدر هذا الضمان أو لمدته، أو من دون معرفةٍ دقيقةٍ للمضمون عنه، ألا وإن ذلك يصدق عليه قول القائل: (الضمان والكفالة أولها شهامة، وأوسطها ندامة، وآخرها غرامة) نقول ذلك -أيها الأحبة- لأننا نرى كثيراً ممن يسارعون ويبادرون من غير تثبتٍ أو تحققٍ في كفالة أو ضمان أحدٍ من الناس، وهم لم يتأكدوا عن مقدار الدين الذي في ذمته، ولم يعرفوا مقدار صلاحه واستقامته؛ ليعلموا بذلك أنهم حينما يسدون إليه جميلاً، ويقدمون إليه معروفاً أنه يعرف ذلك لهم، ويقابل إحسانهم بالإحسان؛ فيرد ما ضمنوه عنه، أو يلتزم بالحضور في الوقت الذي كفلوه بأجله، إن بعض الناس لَيَقْدُم على الضمان والكفالة من غير تحديدٍ أو تقديرٍ لهذه الأمور.

لذا ينبغي للإنسان ألا يضمن إلا فيما يقدر عليه، وألا يكفل إلا من يثق به، ولكن الملاحظ والذي نراه الآن أن كثيرا ًمن الناس حينما يهب منجدا ًومسرعاً لصديقٍ أو رفيقٍ أو قريب يضمنه بمالٍ في ذمته، أو يكفله بالحضور إلى أمدٍ معين، أو في مدةٍ محدودة، فإذا حل الأجل وجرت المطالبة بين صاحب الحق، وتوجهت على المكفول أو المضمون عنه، ثم لم يجدوه توجهوا إلى الضامن فأخذ يدعو بالويل والثبور، ويسب تلك الساعة التي عرف فلاناً فيها، أو ضمنه في حقٍ بها، أو التزم شيئاً من أجله، ألا وإن الإنسان هو الذي يخطئ على نفسه.

ولا يبلغ الأعداء من جاهلٍ ما يبلغ الجاهل من نفسه

لذا يا معاشر المؤمنين: إذا احتاج الإنسان إلى ضمان قريبٍ أو صديقٍ يعرفه بالثقة والاستقامة والخوف من الله والمحافظة على حقوق الله أولاً وأخيراً، لأن من حافظ على حقوق الله فهو لما سواها أحفظ، ومن ضيع حقوق الله فهو لما سواها أضيع، ينبغي لمن هَبَّ لكفالة أو ضمان قريبٍ أو رفيق أن يضمنه في مالٍ يستطيع تقديمه عند عجز المضمون عن أدائه، أما فعل كثيرٍ من الناس، فتراه يسأل: من فلان بن فلان!! أنا أضمنه في كل ما تريدون، وما يدري أنه يضمنه في مالٍ لا يستطيع هو ولا أسرته ولا قبيلته سداده، وبعد ذلك يعيش أسير الهم والحزن والبلاء من جراء ما اكتسبت نفسه عليه من دون توثقٍ أو تأكد.