للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصة وعبرة]

كم من إنسان قد ضمن من هرب وتركه أسير المطاردة والملاحقة من جراء جرأته في الضمان وفي بدايته من غير تقديرٍ لعواقبه، وكم من إنسانٍ قد كفل آخر وهو لا يدري أين يسكن؟ أو أين مكانه؟ أو أي جهةٍ تعرفه أو تُعرف به؟ وبعد ذلك في وقت الحاجة إلى حضوره يراه مفقوداً، وأذكر لكم قصةً أعرف صاحبها تمام المعرفة: كان سجيناً في يومٍ من الأيام مع آخر في حقٍ من الحقوق، فقال الأول الذي دخل السجن أولاً للآخر: اكفلني حضوراً وأنا أقضي ما عليك من الدين، فظن ذلك المسكين أو الجاهل أو الغافل أن هذا أمرٌ من الإرفاق أو النفع أو تقديم العون، فقال: إذن كيف أخرج أنا؟ قال: أنا أدفع عنك ما تريده من المال، وكان مرهوناً بمالٍ يسير، فقدم السجين الأول ذلك المال ليخرج الآخر، فلما خرج عاد ثانيةً ليُخرج الأول، فلما خرج هرب ولم يعلم أن الدين الذي عليه يقدر بخمسة ملايين من الريالات التي لا يستطيع هو ولا أسرته ولا قبيلته ولا من معه أداء هذا الدين.

وبعد ذلك عاد أسيراً مرهوناً بسبب هذه الكفالة التي اجترأ عليها ووقع أسيراً بها، وإن بعض الناس قد يجعلون الكفالة والضمان سبباً للاستدرار المالي، وسبباً لتحصيل المال، ألا وإن ذلك مما لا ينبغي، إن بعض الناس قد يكفل آخر مقابل شيءٍ من المال، فإذا خرج بعد ذلك تركه يبقى قبيلاً وحميلاً ضامناً أمام خصمائه وغرمائه، وأخذ يقلب ويدعو بالويل والثبور على ذلك المال اليسير الذي أوقعه في هذه المصيبة العظمى.

أكرر وأقول: أيها الأحباب! إن الشريعة لا تنهى عن الضمان والكفالة، بل جاءت من الإرفاق والرحمة والحاجة إليها بين المسلمين، ولكن ينبغي أن نعرف حدودها ومقدارها ومن نكفلهم أو نضمنهم فيها، ونوع الحق الذي نقدمه فيها، وبعد ذلك يكون الإنسان على بينةٍ وحذر.

أسأل الله العلي العظيم رب العرش الكريم أن يجنبنا وإياكم مواقع الزلل، وأسأله جل وعلا ألا يميتنا بحق مسلمٍ في ذممنا؛ لا بمالٍ ولا دينٍ، ولا مظلمةٍ ولا عينٍ، ولا شتيمةٍ ولا عرضٍ أو نحو ذلك.

اللهم أحينا على الإسلام سعداء، وتوفنا على التوحيد شهداء، واحشرنا في زمرة الأنبياء.

اللهم اختم بالسعادة آجالنا وأكرم بالعافية غدونا وآصالنا، واجعل إلى جناتك مصيرنا ومآلنا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم دمر أعداء الدين، اللهم أبطل كيد الزنادقة والملحدين، اللهم اهد إمام المسلمين، اللهم وفق إمام المسلمين، اللهم أصلح بطانته، اللهم اجمع شمله، اللهم ثبت قدمه، اللهم لا تفرح عليه وعلى من حوله حاسداً، ولا تفرح أو تشمت بهم عدواً برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم آمنا في دورنا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا ألا تجعل لنا في هذا المقام ذنباً إلى غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا حيران إلا دللته، ولا أيماً راغباً في النكاح إلا زوجته، ولا مأسوراً إلا فككت أسره برحمتك يا أرحم الراحمين.

إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً، اللهم صل وسلم وزد وبارك على نبيك محمدٍ صاحب الوجه الأنور، والجبين الأزهر، وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، الأئمة الحنفاء: أبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي، وارض الله عن بقية العشرة، وأهل الشجرة، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك ومنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارحم موتانا وجميع موتى المسلمين، الذين شهدوا لك بالوحدانية، ولنبيك بالرسالة، وماتوا على ذلك، اللهم اغفر لهم وارحمهم، وأكرم نزلهم، ووسع مدخلهم، واغسلهم بالماء والثلج والبرد، ونقهم من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل الكريم يذكركم، واشكروه على آلائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.