للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الثلث الأخير من الليل كنز ضائع]

إن من الكنوز الضائعة الثلث الأخير من الليل، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن في الليلة لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه، وذلك كل ليلة) رواه الإمام مسلم.

وفي حديثٍ لـ مسلم أيضاً: (ينزل ربنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول فيقول: أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له؟ من ذا الذي يسألني فأعطيه؟ من ذا الذي يستغفرني فأغفر له؟ فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر) رواه مسلم والترمذي، وفي حديث عند الإمام أحمد والنسائي: (ينزل الله في كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائلٍ فأعطيه، هل من مستغفرٍ فأغفر له، هل من تائبٍ فأتوب عليه حتى يطلع الفجر) هذا فضلٌ يتكرر وكنزٌ يفتح بابه ويدعى الخلق إليه في كل ليلة، فأين الذين يسألون؟ أين الذين يطلبون؟ أين الذين؟ لو قال: يا إخوان! توجد قطعة أرض عشرة في عشرة مجاناً من أراد وقد تجمعت فيه الشروط فليأت في المكان الفلاني، وجدت الناس من بعد الفجر إلى أن تغيب الشمس كل واحد يمسك ملفه ويقدمه ويتنافس مع غيره، يا أخي! هنا كنوز عظيمة من عند الله عز وجل من فضل الله، الذي يفرح إن سألته ويرضى عنك إن دعوته:

الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب

لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب

من يسأل الناس يحرموه وسائل الله لا يخيب

وإذا بليت ببذل وجهك سائلاً فابذله للمتفرد المفضال

الناس إذا أعطوك اليوم غداً يمنون، وبعده يسخطون، وفي الرابعة يضربون، ولذلك لما رأى الأعرابي عطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد غزوة حنين جن ذاك الأعرابي، جاء ينظر إلى وادٍ مليءٍ بالغنم والنعم يسمع فيه الثغاء والرغاء والخوار فقال الرجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم معناه أن الخير كثير، وهذه النعم جيدة، وهذه الغنم ممتازة، فقال صلى الله عليه وسلم: (أيسرك أن لك هذا؟ قال: إي والله يا رسول الله، قال: اذهب فهو لك) فقام الرجل يصيح بأعلى صوته: يا قوم! أسلموا فإن هذا ليس بعطاء بشر هذا عطاء نبي لا يخشى الفقر أبداً.

فالبشر إن أعطوا مرة مرتين ثلاثاً يملون، بل قال الله: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً} [الإسراء:١٠٠] ما التفسير؟ لو أنك تملك خزينة ليس المقصود أنها خزينة عظيمة لا يخطر على البال الذي فيها، بل أيضاً مع هذا خزينة لا تنقص أبداً لأمسكت خشية الإنفاق وكان الإنسان قتوراً، لكن الله عز وجل كلما ألححت عليه كلما رضي عليك، فأين الملحون على الله عز وجل؟ أيها الأحبة أين أصحاب الحوائج؟ من الناس من له حاجات وحاجات وحاجات، ما ترك باباً إلا طرقه، ولا وجيهاً إلا تشفع عنده، ولا ثرياً إلا قصده، ولا معطاءً إلا مدحه، ولا باذلاً إلا بلغه ووصله، يريد منه أن يقضي حاجته، وربما رده الناس مراراً وتكراراً، فنقول لمثل هذا: هل سألت الله في آخر الليل؟ هل سألت الله في ساعة الإجابة يوم الجمعة؟ هل سألت الله في أوقات الإجابة؟ أبداً ما سأل ولا فكر أن يدعو، بل جلس الأيام الطوال في زمهرير الشتاء وحر شمس الصيف يسأل فلاناً وعلاناً لكنه ما سأل الله، ومن تعلق بشيء وكل إليه، بعض الناس ربما تعجل له العقوبة يوم أن ينصرف إلى سؤال الناس قبل أن يسأل الله عز وجل، اسأل الله أولاً وإن كانت حاجتك عند البشر، السماء لا تنزل معاملات وتعاميد هذا صحيح ومؤكد، لكن قبل أن تسأل فلان بن فلان اسأل الله عز وجل أن يسخر لك فلان بن فلان وأن يقضي حاجتك وأن يغنيك عنه: {فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ} [المائدة:٥٢].