للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[يوم الجمعة كنز عظيم]

وأما الكنز الذي يلي ذلك فهو كنز يوم الجمعة، فقد قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الشيخان: (إن في الجمعة لساعة لا يوافقها مسلم قائمٌ يصلي يسأل الله خيراً إلا أعطاه إياه، وقال بيده) قال صلى الله عليه وسلم بيده، يعني: يقلل هذه الساعة، يعني الساعة قصيرة جداً، فعلاً ساعة من آخر النهار كما في بعض الأحاديث الأخرى، من الذي يعجز أن يوقت الساعة ويرتب نفسه لكي يجلس بعد صلاة العصر، وعندكم هذا البيت العتيق والكعبة المباركة، ومقامٌ الصلاة فيه بمائة ألف صلاة، أفلا نجلس لذكر الله عز وجل؟ أفلا نجلس لمحاسبة النفس؟ أفلا نجلس للاستغفار؟ أفلا نجلس للسؤال والدعاء وطلب الحاجات وقضاء الحوائج؟ إن ذلك ميسر ولكن القلوب ما امتلأت بالاعتقاد الكامل القوي العظيم الذي يكفيها عن الحاجة إلى البشر، قال صلى الله عليه وسلم: (التمسوا الساعة التي ترجى في يوم الجمعة بعد العصر إلى غيبوبة الشمس) رواه الترمذي.

وقال صلى الله عليه وسلم: (يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة منها ساعة لا يوجد عبدٌ مسلمٌ يسأل الله فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر) رواه أبو داود والنسائي.

وهنا مسألة فقهية: ورد في بعض الأحاديث: (لا يوافقها عبدٌ يصلي) وإذا كانت بعد العصر فإن بعد العصر من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها، فكيف يكون ذلك؟ لقد سبقنا أئمة الفقه من الصحابة، ففي الحديث الذي يرويه أبو هريرة قال: صلى الله عليه وسلم: (خير يومٍ طلعت فيه الشمس يوم الجمعة، وفيه خلق آدم وفيه أدخل الجنة وفيه أهبط منها، وفيه ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم يصلي فيسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه إياه.

قال أبو هريرة: فلقيت عبد الله بن سلام فذكرت له هذا الحديث، فقال: أنا أعلم بتلك الساعة، فقلت: أخبرني بها ولا تضنن بها علي، قال: هي بعد العصر إلى أن تغرب الشمس؟ قلت: فكيف تكون بعد العصر وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو يصلي وتلك الساعة لا يصلى فيها؟ فقال عبد الله بن سلام: أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة) وهذا دليل على فقه الصحابة رضوان الله عليهم.

فالخيبة والخسران لمن تكلم في الصحابة أو قال في أبي هريرة خاصة إنه يروي من الأحاديث ما لا يفقه ولا يدري، هذا أبو هريرة يحاور ويناقش عبد الله بن سلام، صحابيان جليلان إمامان عظيمان يتناقشان حول هذه المسألة العظيمة، قال: (أليس قد قال صلى الله عليه وسلم: من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة.

قلت: بلى، قال: فهو ذاك) رواه أبو داود والترمذي والنسائي.