للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب الهلاك: الإصرار على الذنوب]

أيها الأحبة: إن الإصرار على الذنوب من أسباب الهلاك، والمصرون على الذنوب هم المصرون على الهلاك، الذين يدعوهم الله جل وعلا، ويدعوهم نبي الله، ويدعوهم الدعاة إلى الله بكلام الله وكلام رسوله فيصرون، يقول الله جل وعلا وياليتنا نتدبر القرآن: {أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ} [الأنعام:٦].

أنتم الآن تعيشون على أرضٍ عاش فيها قومٌ قبلكم، ومنهم من أهلكهم الله جل وعلا، ومن هذه الأمم التي كانت قبلكم كانت أشد منكم قوة، وأثاروا الأرض وعمروها أكثر مما عمرناها نحن، لا تظنوا أننا سخر لنا في الأرض ما لم يسخر لمن قبلنا، بل لقد سخر للذين من قبلنا أشياء أعظم مما سخرت لنا: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ} [الفجر:١ - ١١] قبلنا أمم أقوى منا فأهلكهم الله بذنوبهم وأنشأ بعدهم قرناً آخرين.

أفتظنون أنا معاشر هذا القرن نكون أقوى ممن قبلنا، أو نكون أقوى على الله جل وعلا؟ لا والله؛ والله ما صنعنا شيئاً وإنما أودع الله في الكون شيئاً وخلق لنا عقولاً أدركته فاستفادت منه، الذين صنعوا الطائرة هل صنعوا القوانين التي ترفعها من الأرض، أم أن الله جل وعلا جعل قوانين الجاذبية والسرعة وقوانين أخرى تتناسب مع سرعةٍ معينة في اتجاه ريحٍ معينة، في دفعٍ معين أن ترتفع الأجسام بسببها عن الأرض، إذاً نحن ما خلقنا الهواء الذي له دورٌ في رفع الأجسام عن الأرض، ونحن ما خلقنا قانون الجاذبية الذي يثبت هذه الأمور على الأرض، وإنما هدانا الله إلى سنن أودعها في الكون فعملنا بها وأنتجنا.

هذه السنن لا يختص بها الكفار، بعض الناس يتوقع أنه لا ينتج إلا كافر، ولا يخترع إلا كافر، بل الذي يعمل عقله ينتج، بوذي ينتج نصراني ينتج يهودي ينتج مسلم ينتج، المهم من أعمل عقله وتفكر في سنن الله جل وعلا فإنه ينتج ويطور ويخترع ويبتكر، وإلا فما معنى أن شخصاً يسافر من إسرائيل يدرس في كندا، وشخصاً يسافر من دول عربية يدرس في كندا، وآخر يسافر من كوريا ويدرس في كندا، ورابع يسافر من الصين ويدرس في كندا، فيرجع ثلاثة يخترعون والرابع لا يخترع؟ هل العقل العربي عقل منتهي الصلاحية لا يخترع والعقل الإسرائيلي والعقل الكوري والعقل الصيني يخترع؟ لا.

القضية قضية اعمل وفكر وطور وادرس وحلل واستنتج واستقرئ حينئذٍ تستطيع أن تعلم أن القضية ليست قضية عجز، أنوفنا كأنوفهم، وعيوننا كعيونهم وآذاننا كآذانهم لا نستطرد كثيراً، المهم ينبغي أن ندرك ذلك جيداً، فهناك أمم أقوى منا عاشت على الأرض وملكت أكثر مما ملكنا، وأبدانهم أقوى من أبداننا، ومع ذلك لم يبال الله بهلاكهم، فلنتنبه جيداً.

ولذلك قارون لما قال قومه له: {لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [القصص:٧٦ - ٧٧] ماذا قال؟ {قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} [القصص:٧٨] ماذا قال الله؟ {أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ} [القصص:٧٨] إذا أصر الإنسان على الذنوب وأصبح في هذه الحالة من العناد والإصرار والمكابرة والغفلة فهو مصرٌ على الهلاك ولا حول ولا قوة إلا بالله!