للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب الهلاك: الترف والإعراض عن المواعظ]

المصرون على الهلاك أولئك المتسلطون بالترف، المعرضون عن المواعظ، المصرون على الذنوب، الغارقون في وحل الشهوات، القاعدون بكل صراطٍ يوعدون وكما قال الله تعالى: {وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ} [الأنعام:٢٦] ينهون الناس عن الخير، وهم أيضاً ناءون عن الخير، يعني: لم يقتصر شره على نفسه أنه بعيد عن الخير لوحده، بل هو بعيدٌ ويقول للناس: ابتعدوا، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:١٦] إذا رأيت المترفين الفساق متسلطين معرضين فتلك من علامات الهلاك، قد تقول: يا ربنا! وما بالنا نحن، هؤلاء مترفون مصرون غارقون؟! لا.

لأن الأمة إذا رضيت بالمنكرات وسكتت عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونشر النصيحة، مصيبة الأمم الآن ألسنة في المجالس الخاصة، حال الشخص إذا أغلق المجلس في الأربعة الجدران قام يتكلم وينتقد (فيلسوف) وأستاذ، وإذا خرج وجلس مجلساً لا ينكر منكراً ولو برسالة، إذا كنت لا تستطيع أن تواجه لقصور أو لعدم قدرة أو لعدم تعود، اكتب رسالة إلى صاحب المنكر الذي تراه وقل له: اتق الله وأنت فلان بن فلان.

أعرف شاباً لم يؤت لساناً فصيحاً ولم يؤت بلاغةً ولم يؤت علماً ولا شيئاً يذكر، ولكن متخصص في أسلوب من أساليب الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يقول: أنا أنصح بالرسالة، أي إنسان صاحب منكر أرسل له رسالة، وأرسل له الرسالة الثانية، ومستمر معه في الرد، أنا ماذا أخسر؟ حبر أكتبه على ورقة، والدافع الغيرة على الأمة إرضاء لله جل وعلا، تطبيق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه، ولتأطرنه على الحق أطراً، أو ليوشكن الله أن يعمكم بعقاب، ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم).

فقعودنا وسكوتنا عن إنكار المنكرات فيما نرى في مجتمع لا أحد يقول: مجتمعنا خير، نعم.

مجتمعنا فيه خير عظيم، أقول: في مجتمعنا خير عظيم، لكن لا يعني وجود الخير عدم وجود الشر، ولذلك كان لا بد من الثناء على الخير وعرفان الفضل لأهله، ولا بد من إنكار المنكر، وأنزلوا الناس منازلهم، وحدث الناس بما يفقهون حتى لا يكذب الله ورسوله.

البطر أيضاً من الأسباب التي تذكر ضمن الترف، والتي من وقع فيها وأصر عليها ولم يلتفت لطاعة الله حريٌ بأن يختم له بخاتمة السوء ما لم يتب إلى الله جل وعلا قال تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:٥٨] بطرت من البطر والأشر.

يا أمة محمد! أسأل الله ألا يأتي زمان يقال: كان هنا أمة يقال لهم: أمة كذا.

أسأل الله ألا يأتي زمانٌ بعدنا يقال: كان في ذلك المكان بيوتٌ ودورٌ وضِياعٌ ومزارع.

أسأل الله ألا يأتي يومٌ يقال: كان في البلد الفلانية كذا وكذا من المنشئات والطرق، وغيرها؛ لأن الله تعالى قال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص:٥٨] نعم، {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ} [الدخان:٢٥ - ٢٨] القضية قضية عبودية لله، خلقنا للعبادة فلماذا نضيع الوقت في بنيات الطرق، أنت مخلوقٌ للعبادة أين كان منصبك؟ وأين كان موقعك؟

الناس للناس من بدوٍ ومن حضرٍ بعضٌ لبعضٍ وإن لم يشعروا خدم

الناس وجدوا ليخدم بعضهم بعضاً: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً} [الزخرف:٣٢].