للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر]

أيضاً من أسباب الهلاك: الإصرار على الكبر والإصرار على التعالي والإصرار على ادعاء الفضل للنفس، يوسف عليه السلام لما عبر الرؤى للمساجين في السجن، وأثنوا على تعبيره والتفتوا إليه وأعجبوا به قال لهم: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف:٣٧] لم يقل: معكم شخص محترم، أنتم معكم إنسان متخصص في تعبير الأحلام بالقدرة الخارقة والتنبؤات الصادقة: {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ} [يوسف:٣٧] {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف:٣٩] اعترف أن الفضل لله واشتغل بالدعوة إلى الله في السجن.

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠] ما نسب النبي صلى الله عليه وسلم الهداية إلى نفسه أو قوته الذاتية أو قدراته الشخصية، قال: {إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ:٥٠] ولذلك فالمتكبرون من المصرين على الهلاك بالتكبر وغمط الناس.

أولاً نقول لكل متكبر: يا سعادة المتكبر! إذا ذهبت إلى دورة المياه ما الذي يخرج من جوفك؟ عسل مصفى، إن ذبابة النحل أطيب منك، يخرج من جوفها عسل: {شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل:٦٩].

الذي يفتخر بطوله وعرضه وشحمه ولحمه يقال له:

لا تحقر الرأي يأتيك الصغير به فالنحل وهو ذبابٌ طائر العسل

المتكبر نقول له: إذا دخلت إلى دورة المياه فانظر ماذا يخرج من جوفك؟ لا يخرج إلا نجاسة، فالذي يتكبر فلينظر ماذا يخرج؟ يخرج العذرة، مر أحد الضعفاء بجوار واحد من المتكبرين أخذ يبحلق ويلتفت ولا يراه إلا بطرف عينه، فقال ذلك المتكبر للمسكين: أنت أما تعرفني؟ قال: بلى والله أعرفك؛ أنت ابن آدم المسكين، تحمل في جوفك العذرة، وبعد موتك جيفة قذرة، وتدميك البعوضة، وتقتلك الشرقة:

إلى الماء يسعى من يغص بلقمة إلى أين يسعى من يغص بماء

الماء الذي أنت تسعى إليه لكي تدفع الغصص إذا شرقت بالماء هلكت، وتقتلك الشرقة، فعلامَ الكبر إذاً؟ ولذلك المتكبرون من صورة هلاكهم قال صلى الله عليه وسلم: (يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر، يطؤهم الناس بأقدامهم) نعم.

يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر من هوانهم على الله، قال ربنا جل وعلا: (الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري) من الذي ينازع الله في صفاته؟ {وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الجاثية:٣٧] الله جل وعلا له الكبرياء فالمتكبر على العباد هذا أهون الناس يوم القيامة.

فيا أخي الحبيب: كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنه أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد) وكان صلى الله عليه وسلم سيد الأولين والآخرين يتواضع، تأخذه العجوز وتجره إلى قارعة الطريق وتتحدث معه الساعة، فيسمع حاجتها ثم ينتهي ويعود إلى صحابته، والصبي يقابله ويكلمه، ويجلس الصبيان على حجره، ويحمل أمامة بنت زينب بنت بنته على كتفه، وجدها تتعثر فحملها صلى الله عليه وسلم وصلى وهي معه، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها، نسأل الله أن يمنح المسلمين التواضع.