للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مناط التكليف هو العقل وليس الجسد]

الحمد لله على نعمه العظيمة، وآلائه الجسيمة، نحمده سبحانه خلقنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، وأطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا، ومن كل خير سألناه أعطانا، نحمده سبحانه ونشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، نرجو رحمته ونخشى عذابه، إن عذابه الجد بالكفار ملحق، ونشهد أن لا إله إلا هو وحده لا شريك له، واحدٌ في ربوبيته، واحدٌ في ألوهيته، واحدٌ في أسمائه وصفاته، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وعبد ربه مخلصاً حتى أتاه اليقين، لم يعلم سبيل خير إلا دل أمته عليه، ولم يعلم سبيل شر إلا حذر أمته منه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، واجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية، وذلك بالتمسك بأوامره، والانزجار عن زواجره {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:١] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

معاشر المؤمنين! حديثنا اليوم عن طائفة من أحبابنا وأبنائنا وإخواننا وأخواتنا يتقطع القلب حسرةً وألماً على ما هم فيه من الحال، ولكن قضاء الله وقدره بعباده جميلٌ ولو جهلنا حكمة ربنا فيه.

أيها الأحبة! حديثنا اليوم عن المعوقين والمعوقات من أبنائنا وبناتنا، وإخواننا وأخواتنا، أولئكم طائفة منسية من هذا المجتمع إلا من رحم الله، وما أقل من يذكرهم، أو يتابع شئونهم، أو يرصد أحوالهم، أو يتفقد حاجياتهم ومشاكلهم، وليس بدعاً، أو جدارةً، أو ذكاءً مني أن أطرقه بينكم، ولكن لما وجدته من إلحاح ومتابعة من طائفة من المعوقين من خلال رسائلهم واتصالاتهم الشخصية إلى حد قال لي فيه أحدهم: والله إن المشايخ لا يهتمون بنا، وإنهم هم أول الذين يحتقروننا، قلت: يا سبحان الله! ما الذي بلغك إلى هذا الحد حتى قلت هذا الكلام، أو أصدرت هذه الأحكام؟! فقال: لأننا منذ مدة طويلة نجتمع مع أمثالنا المعوقين، ونكتب حاجياتنا، ونرسلها إلى عدد من إخواننا، ولكن لا نجد من يلتفت لنا، أو يتفهم مشاكلنا، أو يتفقد حاجياتنا.

اعلموا -أيها الأحبة- أن الله جل وعلا جعل مناط التكليف العقل، فحيثما وجد العقل فالإنسان مكلفٌ بعقله، وإذا غاب العقل سقط التكليف، يقول صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصغير حتى يكبر، أو يبلغ).

وكل هذا فيه دلالة جلية واضحة على أن مناط ومتعلق الأمر والنهي هو العقل، فحيثما وجد العقل، فصحابه مكلف سواءً كان أعمى أي: لا يبصر بعينيه، أو كان مشلولاً، أو معوقاً، لأن مركز الاستجابة والاستقبال وهو العقل لا يزال حياً يقظاًَ نابضاً بتلقي وتفهم الأمر، فعند ذلك يكون صاحبه مكلفاً مهما كانت نوع إعاقته بالقدر الذي يستطيع العمل معه لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ولقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:١٦].

أيها الأحبة في الله! إذا علمنا ذلك، علمنا أن كل معوقٍ مطالب بالالتزام، ومطالبٌ بالاستقامة، ومطالبٌ بالمحافظة على الصلوات مع الجماعة بحسب استطاعته وقدرته، ومطالبٌ بالاستجابة لأمر الله في كل دقيق وجليل من أوامر الله جل وعلا ومناهيه، لا كما يظنه بعض النفسانيين أو التربويين الذين هم أجهل الناس بحقيقة علمهم، ولا أقول كل النفسانيين أو التربويين جهلاء، لكن أقول: إن الجهل يخص طائفة منهم أولئك الذين يعالجون المعوقين بالطبول والعزف والموسيقى والطرب وعرض أمور لا ترضي الله جل وعلا، ويقولون: هذا نوعٌ من العلاج النفسي، وهذا نوعٌ من العلاج التدريجي لأولئك المعوقين، نقول: ينبغي أن تعيدوا لأولئك المعوقين الثقة بأنفسهم، أعيدوا لهم الجدارة والقدرة، وأشعروهم بأنهم قادرون أن يفعلوا أشياء قد لا يفعلها كثيرٌ من الأصحاء السليمين، ألم يعلموا أن أحمد ياسين من قادة الانتفاضة في فلسطين وهو رجل مصابٌ بالشلل الثلاثي، أو الرباعي، ما عاقه شلله، وما ردته إعاقته من أن يكون عنصراً وقطباً محركاً محرضاً مجاهداً في فلسطين.

أولم يعلموا أن عمرو بن الجموح الأنصاري قبل أحمد ياسين وقبل غيره كان رجلاً أعرج، وأراد الدخول في معركة مع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له أبناؤه: إن الله أعذرك، فأنت من أهل الأعذار {وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ} [الفتح:١٧] فغضب عليهم، وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: يا رسول الله! أولادي هؤلاء يردونني عن الجنة، والله لأطأن بعرجتي هذه الجنة يا رسول الله! فأذن له الرسول في الجهاد، فجاهد في سبيل الله، وصبر وثبت حتى قتل رضي الله عنه وأرضاه.

ألم يعلموا أن كثيراً من علماء المسلمين وقادة الجهاد والمجاهدين لا يزالون على نوع إعاقةٍ، وما ردتهم إعاقتهم عن أن يمضوا في سبيل الله، وأن يقدموا لدين الله ما استطاعوا من جهودهم.