للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من مشاكل المعاقين]

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله! اتقوا الله تعالى حق التقوى، وتمسكوا بشريعة الإسلام، وعضوا بالنواجذ على العروة الوثقى، اعلموا أن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار، عياذاً بالله من ذلك.

أيها الأحبة! إن مما يشكوه، بل إن أشد ما يعانيه إخوانكم المعوقون نظرة محجمة منصرفة معارضة من القرب والدنو منهم ألا وهي: مشكلة زواجهم، مشكلة الزواج عند المعوقين من أعظم المشاكل -أيها الإخوة- كثيرٌ منهم وأكثر ما وصلني من رسائلهم أنهم لا يجدون من يزوجهم، أتدرون ما الحل؟ ما هو البديل؟ أليسوا بشراً؟ أليس لهم شهوة وغريزة؟ بل إن بعضهم ليكون أشد شهوة وغريزة ممن نراهم أمامنا من الأصحاء والأقوياء، إنهم يعانون من هذه المشكلة، ولا يجدون من يزوجهم، وإذا تقدم أحدهم رد ولم يزوج.

ولا أقول: إن بوسع كل واحد أن يكره، أو يجبر ابنته على أن تتزوج منهم، ولكن ما الأمر برجل عنده ابنة معوقة، وفتاة معوقة، فإذا خطبها شابٌ معوقٌ رده، ولم يسأل ابنته، ولم يعرض الأمر عليها، ينتظر رجلاً سوياً صحيحاً يأتي ليخطبها، إذا تقدم لابنتك نصيب، وما أكثر البنات اللائي يرضين! ولو بمعوق خير لهن من أن يبقين عانسات بلا أزواج، لو أن الأب عرض الأمر عليهم؟ والله قال لي واحد منهم: التمس لي زوجةً جزاك الله خيراً , ولو كانت أكبر مني، ولو كانت معوقةً، ولو كان فيها الذي فيها، أريد أن أتعفف بالحلال، ثم أخرج لي بطاقته بطاقة التخفيض للمعوقين، إذا سكن فندقاً يخفض له نصف التكلفة، وإذا صعد طائرة يخفض له نصف التذكرة، وإذا نزل مكاناً فيه رسوم رسمية يخفض له نصف ذلك، قال: اعلم أن هذا هو البديل، اعلم أن أمثالي من زملائي كثيرون لم يجدوا بديلاً إلا بطاقة المعوق المخفضة، قلت: وكيف تكون البطاقة بديلاً؟ قال: السفر إلى البلاد الفلانية، فأفخر الفنادق نسكنها بنصف الأجرة، وما نطلبه من البغاء والشراب، وغير ذلك يبذل بنصف التكلفة، هذا هو البديل يا عباد الله.

إذا أجرمنا في حقهم، قدناهم وسقناهم واضطررناهم إلى الوقوع في أوحال المعصية، لماذا لا يزوجون؟ لماذا لا يوجد من يهتم ويعتني بأمرهم؟ أليس في المجتمع فتيات معوقات؟ بلى والله، ما الذي يمنع أن تقوم طائفة من الصالحين بالتنسيق مع دائرة رسمية بحصر المعوقين والمعوقات، أو من يرغبون الانتساب والانضمام إلى هذه المؤسسة، أو هذا المكتب؟ لا لغرض تعليمهم الموسيقى والفنون التشكيلية، لا.

بل لتزويجهم، وهو يعانون أكبر المشاكل من الزواج، يعانون من ذلك أعظم المشاكل، والكثير منهم أصبح يائساً من مجتمعه حتى أن بعضهم يقول لأحد الصالحين منهم: أنت أشغلتنا بالشيخ فلان وعلان، لو كان في أولئك خير، لتناولوك أو تحدثوا عنك أو التفتوا لك، تعال واشرب، ويقسم بالله العلي العظيم أنه أرسل رسالة إلى أحدهم، قال: فرد لي الرسالة وفي داخلها حبوب مخدرات، هذا جواب الرسالة، جواب الرسالة ظرف فارغ إلا من الحبوب المخدرة، يعني: بلسان الحال، لا بلسان المقال، الجواب ما ترى لا ما تسمع، الجواب هو: الانحراف، الجواب هو: الغفلة، الجواب هو: الضلالة، ووالله لو تلطف بعض الشباب في الدخول إلى أوساطهم ومجتمعاتهم، لوجدوا خيراً عظيماً فيهم، ولاستطاعوا أن يوجدوا من أولئك المعوقين قادةً من الدعاة إلى الله جل وعلا، ليس العمل للإسلام محصورٌ للجهاد في أفغانستان، أو محصور في المنابر، أو محصور في الوعظ والإرشاد في المساجد، أو محصور في الخطب والمحاضرات.

إن العناية بأمثال المعوقين، ودراسة أحوالهم، وتتبع مشاكلهم-والله- لمن أعظم وجوه الدعوة إلى الله، والعمل لدين الله.

فيا أيها الأحبة! من عرف معوقاً فليساعده، وليكن نعم العون له على طاعة الله جل وعلا، لا أن يكون معيناً له على سفرٍ، أو غفلةٍ، أو لهوٍ، أو ضياعٍ، بل كن معيناً له في تفقد حاجته، في البحث له عن زوجة، توجد لهم سيارات تناسب قدرتهم بدلاً من الأجهزة التي تعتمد على الأقدام في القيادة وعلى الأيدي، وأعرف كثيراً منهم وهم معوقون يسوقون السيارات ويقودونها، توجد سيارات من هذا النوع- وأنتم تعلمونها- بعضهم يحتاج إليها فلا يستطيع أن يجمع قيمتها، ينظر المجتمع إلى هذا المعوق، سيارته عكازته، إذا زوجناه، لا يستطيع أن يذهب بابنتنا، أو يأتي بها، من الذي يصرف عليه؟ من الذي ينفق عليه؟ والله لو أن القلوب فيها رحمة وشفقة، لوجد المعوق من يزوجه ويصرف عليه وينفق عليه ابتغاء ما عند الله، ولا أقول إن المجتمع قد خلا من المعوقات، الكثير منهم يقولون: نحن لا نريد ملكات الجمال، نحن لا نريد شروطاً في زوجاتنا، نريد زوجة ولو معوقة مثلنا، لكن الكثير يرفضون تزويجنا، ومنهم من قال: حتى إني طلبت أن أتزوج من الخارج، فرفض أهلي وجماعتي، لأن هذا ليس من طريقتنا، أو من عاداتنا، فإذا كان من عادتكم ألا تزوجوا معوقاً، وليس من عادتكم ألا يتزوج من الخارج، ماذا يفعل؟ أينتحر المعوق؟ لا بد أن تلبى حاجته، لا بد أن تفرغ شهوته في قالب شرعي غريزي فطري مناسب ألا وهو بالزواج، فأعينوهم وتفهموا مشاكلهم.

ويا معاشر الدعاة! يا معاشر الشباب عليكم بجبهة المعوقين، اقتحموها وادخلوها، وانظروا ماذا يدور بينهم؟ أصلحوا شأنهم وأحوالهم، ووالله لو توغلتم في داخل ما يدور بهم، لوجدتم ما تشيب له الرءوس من المصائب التي يقعون فيها.

أسأل الله تعالى أن ينفعنا وإياكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.