للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلق النبي صلى الله عليه وسلم]

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد: أيها الأحبة في الله: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في مستهل هذا اللقاء أسأل الله عز وجل أن يكون اجتماعنا وإياكم مرحوماً، وتفرقنا من بعده معصوماً، وألا يجعل فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً.

والحديث عن إمام الهدى، وما أدراك ما إمام الهدى! ذاك محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم الذي بصر الله به عيوناً عمياً، وفتح به قلوباً غلفاً، وأسمع به آذاناً صماً، إمام الهدى صلى الله عليه وسلم الذي هدانا إلى الصراط المستقيم: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الشورى:٥٢].

ذاك إمام الهدى، ولا غنى لمسلم أياً كان عن سيرته، لا غنى للملوك عن سيرته، ولا غنى للزعماء عن سيرته، ولا غنى للأغنياء والفقراء عن سيرته، ولا غنى للمتعلمين والعلماء عن سيرته، ولا غنى للرجال والنساء عن سيرته.

لماذا؟ لأنه أسوة وقدوة لنا: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١] فمن كان يرجو الله فعليه بالتأسي بإمام الهدى، ومن كان يرجو اليوم الآخر فليتأس بإمام الهدى، ومن كان من الذاكرين أو يطمح أن يكون من الذاكرين فعليه أن يتأسى بإمام الهدى، وما ذاك إلا لأن كلامه صلى الله عليه وسلم وحي يوحى، ولأن سيرته ترجمة لهذا الوحي.

نحن بأمس الحاجة أن نعرف عنه صلى الله عليه وسلم كل شيء من أحواله، كل دقيق وجليل في حياته، كيف كان صلى الله عليه وسلم يأكل، وكيف كان يشرب، وكيف كان ينام، وما حاله في الرضا، وما حاله في الغضب، وما لباسه، بل كيف كان مشيه، وما علاقته بالصغير والكبير، وما تعامله مع الناس على اختلاف أجناسهم وأحوالهم.

حاجتنا أن نعرف سيرته صلى الله عليه وسلم: أليس هو قدوتنا؟ بلى.

إذاً فلا بد أن نعرف عبادته، وأن نعرف أخلاقه، وأن نعرف حاله مع أزواجه، ولن يحيط القلم واللسان بحال إمام الهدى صلى الله عليه وسلم في كل أحواله، ولكن كما قال علي بن أبي طالب في ما رواه ابن ماجة والدارمي: [إذا حدثتكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا برسول الله أهيأه وأهداه وأتقاه].