للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خلق النبي صلى الله عليه وسلم مع الناس]

ولنبدأ بخُلقه صلى الله عليه وسلم: يقول الله سبحانه في شأن نبيه: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] ويقول عز وجل: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] ولما سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه صلى الله عليه وسلم قالت: [كان خلقه القرآن].

قال عطاء بن يسار: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة.

فقال رضي الله عنه: (والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن، وهذا وصفه في التوراة: يا أيها النبي! إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفض ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: لا إله إلا الله، ويفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً) رواه البخاري.

وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل: يا رسول الله! ادع على المشركين، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني لم أبعث لعاناً وإنما بعثت رحمة) هذا من سمو خلقه، هذا من كريم شمائله، هذا من علو منزلته صلى الله عليه وسلم يقال له: ادع على المشركين، فيقول: (ما بعثت لعاناً وإنما بعثت رحمة).

وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا لعاناً ولا سباباً، وكان يقول عند المعاتبة: ما له تربت يمينه) يعني: أصاب يمينه التراب، هذا من كريم شمائله صلى الله عليه وسلم.

ولنقف عند هذه وقفة -أيها الأحبة في الله- إن بعض إخواننا من المسلمين تجده سليط اللسان في السباب والشتائم حتى على المشركين والكفار، وأنا لا أنافح عن كافر، ولا أدافع عن ظالم، ولا أقول ذلك خشية على عرض فاجر، ولكن نقول: فلنعود ألسنتنا ما تعودناه وما عرفناه من شمائل نبينا صلى الله عليه وسلم، خاصة إذا كان سباب الكافرين وشتمهم سيفضي إلى منكر أكبر: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨] بل وفي المقابل لو قيل لأحدنا: ادع لهؤلاء الظلمة، أو ادع لهؤلاء الكفرة، أو ادع لهؤلاء الفجرة أن يهديهم الله أو أن يسخرهم للإسلام والمسلمين، التفت ضاحكاً، وسخر ملتفتاً وقال: ما شأنك وشأن الدعاء لهم؟ ألا تلعن؟ ألا تشتم؟ ألا تسب؟ ألا تقول كذا وكذا وكأنه حرام أن يدعو للضال بالهداية، وللفاجر بالاستقامة! وهذا جهل يا عباد الله.

نعم، إن الله لعن الظالمين وأعد لهم سعيراً، نعم.

إن الله لعن الكافرين، نعم.

إن الله لعن طوائف في كتابه: {وَمَنْ يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً} [النساء:٥٢] ولكن -أيها الأحبة- ينبغي أن نعود أنفسنا ما تعوده نبينا، ففعله وحيٌ، وقوله وحي، وسيرته وحي، فما كان سبّاباً ولا لعاناً ولا شتاماً صلى الله عليه وسلم، لقد جاء الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه فقال: يا رسول الله! ادع على دوس، فقال: (اللهم اهد دوساً وائت بهم) وكانت دوس آنذاك مقيمة على الكفر والشرك، مقيمة على حال الجاهلية، وقال صلى الله عليه وسلم: (اللهم أعز الإسلام بأحب العمرين إليك) يعني: أبا جهل أو عمر بن الخطاب، فدعا لهما وهما آنذاك من الكفار.

فنحن حينما نتعلم من شأن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يبعث لعاناً، ولم يبعث سباباً، ولم يبعث شتاماً، وإنما بعث رحمة أي: يدعو بالهدى ويدعو إلى الهداية، ويدعو بالرحمة، ويدعو إلى العفو والصفح والمغفرة، فإن ذلك يعلمنا ألا نعود ألسنتنا على السب أو الشتم أو التسلط على أعدائنا؛ فليس ذلك من الرحمة بهم، ولا اللطف بجنابهم، ولا العطف في شأنهم، ولكن حتى لا تتعود ألسنتنا السباب والشتيمة، ونظن أنه غاية خدمتنا لهذا الدين، وغاية رعايتنا لهذه الدعوة، أو نظن أن منتهى قيامنا على هذا الإسلام أن نسب الأعداء وأن نلعنهم، فإن من تعود ذلك سيكون أستاذاً في السباب، ولكن لن يكون أستاذاً في الميدان، لن يكون أستاذاً في العمل، لن يكون أستاذاً في الواقع، لن يكون أستاذاً في التطبيق، وما أحوجنا إلى ألسنة بكْم على أيد فصاح:

إنا نتوق لألسن بكم على أيد فصاح