للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كرمه وجوده صلى الله عليه وسلم]

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكرم الخلق: (وكان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان، وكان صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الريح المرسلة) رواه البخاري.

وأجود خلق الله صدراً ونائلاً وأبسطهم كفاً على كل طالب

نعم.

ما قال: لا، وما سأله أحد شيئاً فمنعه إياه، بل أعطاه وبذله.

ما قال لا قط إلا في تشهده لولا التشهد كانت لاؤه نعم

تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناه لقبض لم تجبه أنامله

هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله

ولو لم يكن في كفه غير روحه لجاد بها فليتق الله سائله

ما كان صلى الله عليه وسلم يرد سائلاً أبداً، وروى مسلم عن أنس رضي الله عنه (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه غنماً بين جبلين، فقام ذلك الرجل الذي أعطي الغنم وأتى قومه يقول: يا قوم! أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفقر) الله أكبر! يعطي غنماً بين جبلين، ويبيت صلى الله عليه وسلم طاوياً، ما قال: أبقي من هذه الغنم من أجل أن أشبع، أو أنا أدخر لحاجتي، أو أنا لابد أن أفعل لحاجتي ما أفعل، بل يبذل صلى الله عليه وسلم ولا يخشى من ذي العرش إقلالاً أبداً.

يعطي صلى الله عليه وسلم عطاء من لا يخشى الفقر، وكان الرجل يجيء إلى رسول الله ما يريد إلا الدنيا فيعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، فما يمسي الرجل حتى يكون دينه أحب إليه وأعز عليه من الدنيا وما فيها.

ولما فتح الله مكة على المسلمين -كما روى مسلم في صحيحه - (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه من المسلمين إلى حنين فاقتتلوا فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ صفوان بن أمية مائة من النعم، ثم مائة ثم مائة فقال صفوان: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ) هذا من كرمه صلى الله عليه وسلم.

وما كان يستكثر على أحد عطاء أعطاه لو كان النبي يقيم لهذه الدنيا حساباً ووزناً وهي التي لا تعدل عند الله جناح بعوضة لما أرخص بها، ولكنه صلى الله عليه وسلم بذلها طيبة بها نفسه صلى الله عليه وسلم.

بل من المعلوم أنه في غزوة حنين عندما طلب صفوان بن أمية مئات من الإبل جاء الأقرع بن حابس التميمي وأعطاه مائة ناقة، ثم جاء عيينة بن حصن الفزاري فأعطاه مائة، ثم جاء غيره وأعطاه مائة، انتهت النوق فما بقي شيء، فجاء العباس بن مرداس السلمي وهو شاعر من الشعراء فقال: يا رسول الله! أعطني، أنا شاركت معكم، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم خمسين من الإبل فقال العباس بن مرداس:

أتجعل نهبي ونهب العبيد

العبيد: فرس عند العباس بن مرداس اسمها العبيد، فيقول يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم، يقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

أنا الذي ما زلت أقاتل ثم الغنائم يتقاسمها الأقرع بن حابس وعيينة بن حصن الفزاري!

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع

فما كان بدر ولا حابس يفوقان مرداس في المجمع

إلا قراريط أعطيتها عداد قوائمه الأربع

فقال صلى الله عليه وسلم: يا علي! كفوا عنا لسانه، أعطوه ما يرضيه، فأعطوه حتى رضي، رضي الله عنه.