للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق]

أيها الإخوة: إن الإسلام ما جاء ليلغي كل أفعال الآباء والأجداد، قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) ما جاء النبي صلى الله عليه وسلم بنسخ كل ما فعلته العرب من قبله، بل أثبت أموراً كانت العرب تفعلها، وهو ما كان مشروعاً محموداً مشكوراً في القرآن والسنة؛ من الوفاء والصدق والأمانة، وإكرام الضيف، والتعاون على الحق، ونصرة المظلوم، ودفع الظالم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

فيا أحبابنا: لنعلم تماماً أن من علمنا عنده شيئاً من عادات آبائه وأجداده، فما كان منها موافقاً لكتاب الله وسنة رسوله فنعمت الأخلاق، ونعمت الجبلة والسجايا، وما كانت مخالفة لأمر الله ورسوله، فلن ندع قول جبار السموات والأرض لعادات بشر يمرضون ويتغوطون، ويتبولون ويمتخطون، وينامون وينسون، ويسأمون ويموتون، لن ندع قول الله لقول هؤلاء، ولن ندع قول نبي معصوم لقول هؤلاء أيضاً، قال الله عز وجل في بيان حوار جميل بين إبراهيم عليه السلام وقومه الذين -أيضاً- كانوا يحتجون بالآباء والأجداد: {وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ * قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ * قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:٥١ - ٥٤].

انظروا ماذا قالوا؟ قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين، يبين ابن كثير رحمه الله بقوله: لم يكن لهم حجة سوى صنيع آبائهم الضُّلال، ولهذا قال: {قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ} [الأنبياء:٥٤] أي الكلام مع آبائكم الذين احتججتم بصنيعهم كالكلام معكم فأنتم وإياهم على غير هدى وعلى غير طريق مستقيم.