للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خطر النفاق على الأمم والمجتمعات]

عباد الله! إذا علمنا أن لكل أمةٍ أحباباً أهل ولاء وصدق، وأهل دعوة وإخلاص، وأهل معاملةٍ صادقةٍ مع الله جل وعلا، ولكل أمةٍ أعداء قد ظهرت عداوتهم وبانت وانكشفت وسفرت، ومنافقون يندسون بين هؤلاء وهؤلاء.

إن الله جل وعلا ذكر المؤمنين في أربع أو خمس آيات، ثم ذكر الكافرين في آيتين، ثم ذكر المنافقين في ثلاثة عشر آية، لأن النفاق أخطر شيءٍ على الأمة، وأفتك داءٍ يهلك الأمة، يدمر ثرواتها ويضيع أمنها ويهدم بنيانها ويفرق جمعها ويشتت شملها.

فيا عباد الله: انتبهوا لأنفسكم ولمجتمعكم جيدا، وانظروا بثاقب البصر والبصيرة ولا تظنوا أن مسئولية الحفاظ على أمن المجتمع وأمن الأمة، الأمن النفسي والأمن الفكري، والأمن الاقتصادي والأمن الاجتماعي، لا تظنوه مسئولية فئة معينة بل هو مسئولية كل واحد منكم: (كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته) فإذا كل واحدٍ منا قام بما عليه حينئذٍ عم الرخاء، وشمل الأمن، وشاعت الطمأنينة، وحينئذٍ يخنس المنافقون فلا يستطيعون أن يتنفسوا على السطح، لا يستطيعون أن يظهروا، لماذا؟ لأن الحجة بينة والمحجة واضحة ولا يستطيع أحدٌ أن يخالف ما اجتمعت عليه الأمة عامتها وعلماؤها وأمراؤها وولاتها، لا يستطيع أحدٌ حينما يجد الأمة على قلب رجلٍ واحد، لا يستطيع أن يتسلل في صفوفها، ولكن يوم أن تكون الأمة على فئاتٍ وطبقاتٍ ومستوياتٍ واتجاهاتٍ ومذاهب شتى، حينئذٍ يدخلون من كل باب، ما دخل الأعداء من أبوابنا وإنما تسربوا كالنمل من عيوبنا وأخطائنا.

فيا معاشر الأحباب! أوصيكم في أنفسكم وفي مجتمعكم خيراً، ألا تجعلوا لمنافقٍ دسيسةً في صفوفكم.

أيها الأحبة في الله: حينما يريد المنافقون أن يحدثوا أمراً فلا يستطيعون أن يعلنوا هذا الأمر بصريح العداوة وبصريح البغضاء والكراهية للأمة، وإنما يلبسون لكل حادثةٍ لبوسا؛ يلبسون أموراً لعلها أن تبهرج على أبصار بعض السذج والغوغاء، وحينئٍذ تقع المصيبة في أن المجتمع يبقى ساذجاً بسيطاً أبلهاً عن حقائق ما يراد وما يدبر له.

إن أعداء المجتمع وأعداء الأمة في كل زمنٍ موجودون من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وإلى قيام الساعة، وهؤلاء الأعداء يوم أن يُحدثوا في المجتمع حدثا ًيجعل الأمن النفسي في أخذٍ ورد، ويجعل الطمأنينة تتغير، ويجعل أحوال الناس في أحاديث شتى، بدلاً من أن تكون أحاديثهم وهمومهم وأفكارهم، وتوجههم وأنشطتهم، منسجمةً متمازجةً متناغمة مع هموم مسئوليهم، وولاة أمرهم؛ يصبح المجتمع على فئاتٍ وعلى أحزاب شتى.

أقول أيها الأحبة! حينما تخرج في المجتمع ظاهرةٌ من ظواهر الفساد يتحرك الأغيار، الذي في قلبه غيرة، الذي يقول: كيف نعصي الله وقد أنعم علينا بهذه النعم؟ الذي يقول: كيف نرضى بالمعصية ونحن نرى الناقلات والشاحنات تتسابق إلى أسواقنا لتنثر فيها خيرات بلدانها؟ الذي يقول: كيف ونحن نرى هذه النعم في مختلف المجالات؟ هل نقابلها بالمعصية؟! هل نقابلها بالمنكر؟! هل نقابلها بما لا يرضي الله جل وعلا؟ يتحرك الأغيار يتحركون غيرة لله فيتصلون بولاة أمرهم، ويتصلون بعلمائهم، ويتصل بكل مخلصٍ في أمتهم لا يخفون شيئاً تحت الظلام أبداً، وإنما يظهرون أمام الخليقة أجمع؛ لكي يعالجوا أمرهم فيما بينهم ولا حاجة إلى إعطاء أي أمرٍ أكبر من حجمه، فلكل أمرٍ ما يناسبه من الاهتمام والإنكار.

نقول أيها الأحبة: حينما يظهر مظهرٌ من مظاهر الفساد والمنكرات إلى درجةٍ يكون خطراً على الأمة؛ يتحرك الأغيار والصالحون، وليس الصالحون وحدهم يتحركون، بل ولاة الأمر أول من يتحرك، وأجهزة الأمن أول من يتحرك، وكل من يرى في نفسه مسئولية أمن مجتمعه يتحرك أيضاً، ليس حركةً فوضوية عشوائية، وليست حركة متهورة متشنجة، بل حركة طبيعية، لبيان هذا المنكر ولبيان مخاطره وعلاجه، وإيجاد البديل المناسب من شرع الله الذي ما فرط الله فيه من شيء، وحينئذٍ حينما تتحرك العواطف ويلتهب الحماس في تغيير أمرٍ من الأمور يندس المنافقون في هذه الصفوف، لماذا؟ لكي يستفيدوا حتى من هذا التفاعل يريدوا أن يسجلوا على المجتمع أمراً مما يريدون، وحينئذٍ أقول لشباب المجتمع أجمع، وأقول لكم يا رجال الإسلام أخاطب كل واحدٍ منكم ولا أفرق بين صفٍ وصف، ولا أفرق بين من كان في أول هذا المسجد وآخره، أخاطبكم جميعاً فأقول: قد يندس بين الصالحين والغيورين من يلبس لباسهم، ويتزيا بزيهم، يريد أن يحقق فساداً حتى يبقى الأغيار في حرج، ويبقى المخلصون في حرجٍ أمام المجتمع بأسره، وإن كنت صريحاً سأضرب المثل بالمنشورات، إنما يفعله الذين يكتبون أول ما يكتبون، ويسجلون أول ما يسجلون ويبدءون أي ظاهرةٍ من الظواهر التي تحتاج إلى علاج، يبدءون علاجها بكتابة المنشور ثم دسه تحت الأبواب أولئك لا يعرفون عزة الحق، ولا يعرفون نور السنة، ولا يعرفون مكانة الإسلام، فهم على خطرٍ عظيم لأن المنكر منكرٌ في كتاب الله جل وعلا، والحق حقٌ في كتاب الله جل وعلا، فما كان حقاً فليس الطريق إليه أن يدس تحت الأبواب، وليس الطريق إليه أن يوضع في بعض الأماكن التي لا يليق ذكرها، وإنما الحق مكانه على الرءوس والمقل على الصدور، أن يقدم جلياً عزيزاً واضحاً، لا أن يقدم بسرٍ وخفية.