للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً

أيها الأحبة: لا تنزعجوا من الباطل أو كثرته، أو قوته وشوكته، أو جولته أو صولته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبى للغرباء) وهو حديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت زيادات مفسرة في بعض الروايات: (قيل: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يصلحون إذا فسد الناس) وفي رواية (قيل من الغرباء يا رسول الله قال: أناس صالحون في بناة سوء كبير، من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم).

قال ابن القيم في كلام طيب جميل: فهؤلاء هم الغرباء الممدوحون المغبوطون، ولقلتهم في الناس جداً سموا غرباء، فإن أكثر الناس على غير هذه الصفات، فأهل الإسلام في الناس غرباء، والمؤمنون في أهل الإسلام غرباء، وأهل العلم في المؤمنين غرباء، وأهل السنة الذين يميزونها من الأهواء والبدع فيهم غرباء، والداعون إلى السنة الصابرون على أذى المخالفين أشد هؤلاء غربة، ولكن هؤلاء هم أهل الله حقاً فلا غربة عليهم، وإنما غربتهم بين الأكثرين الذين قال الله عز وجل فيهم: {وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [الأنعام:١١٦].

قال ابن القيم في صفات الغرباء: ومن صفات هؤلاء الغرباء الذين غبطهم النبي صلى الله عليه وسلم: التمسك بالسنة إذا رغب الناس عنها، وترك ما أحدثوه وإن كان هو المعروف عندهم، وتجريد التوحيد وإن أنكر ذلك أكثر الناس، وترك الانتساب إلى أحد غير الله ورسوله، لا شيخ ولا طريقة ولا مذهب ولا طائفة، بل هؤلاء الغرباء منتسبون إلى الله بالعبودية له وحده، وإلى رسوله لما جاء به وحده، وهؤلاء هم القابضون على الجمر حقاً، وأكثر الناس بل كلهم لائم لهم، فلغربتهم بين الخلق يعدونهم أهل شذوذ وبدعة ومفارقة للسواد الأعظم.

ثم يقول ابن القيم رحمه الله في شأن المؤمن الغريب المتمسك بالسنة الداعي إليها، الصابر على الأذى في سبيلها: فهو غريب في دينه لفساد أديانهم، غريب في تمسكه بالسنة لتمسكهم بالبدع، غريب في اعتقاده لفساد اعتقادهم، غريب في صلاته لسوء صلاتهم، غريب في طريقه لضلال وفساد طريقهم، غريب في نسبته لمخالفة نسبهم، غريب في معاشرته لهم؛ لأنه يعاشرهم على ما لا تهوى أنفسهم، وبالجملة فهو غريب في أمور دنياه وآخرته، لا يجد من العامة مساعداً ولا معيناً، فهو عالم بين جهال، صاحب سنة بين أهل بدع، داع إلى الله ورسوله بين دعاة إلى أهل الأهواء والبدع، آمر بالمعروف ناه عن المنكر بين قومٍ المعروفُ لديهم منكر والمنكر عندهم معروف، انتهى بنصه من مدارج السالكين ورحم الله ابن القيم وما أعذب وما أجمل كلامه في هذا.

أيها الأحبة: أسأل الله عز وجل أن أكون وإياكم ممن يسألون ربهم الهداية إلى الحق فيتبعونه، ويسألون ربهم ألا يشتبه الحق عليهم فيكونوا ضالين أو مضلين وهم لا يشعرون.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وجزاكم الله كل خير.